﴿ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾
[ الروم: 39]
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
سورة البقرة آية 275 - تفسير - ترجمة
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾
سورة المائدة آية 44 - تفسير - ترجمة
أبواب الربا
بَابُ التَّشْدِيدِ فِيهِ
2237 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ النَّسَائِيّ: آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ إذَا عَلِمُوا ذَلِكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
2238 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غِسِّيلِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
بَابُ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا
2239 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهُمَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ يدا بيد سَوَاءً بِسَوَاءٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2240 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
2241 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2242 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2243 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا». أَخْرَجَاهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً.
2244 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2245 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ وَفِي آخِرِهِ: وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ جِنْسَيْنِ.
2246 - وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عبداللَّهِ قَالَ: «كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2247 - وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
2248 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها لأن قوله في الميزان أي في الموزون، وإلا فنفس الميزان ليس من أموال الربا.
الشيخ: الحديث الأول والثاني كلاهما فيما يتعلق بتحريم الربا، والربا من أكبر الكبائر بإجماع المسلمين كما قال الله - جل وعلا -: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، وقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279]، ويخبر ﷺ أن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ملعونون، فهذا يفيد الحذر من هذه الكبيرة العظيمة، وأن الواجب على المسلم الحذر من ذلك، وأما حديث: درهم ربا أعظم من ستة وثلاثين زنية فهذا فيه نظر، ولكن يدل على عظم الربا وشدة إثمه، والحديث في صحته نظر لكن يدل بالجملة ما في الربا من الإثم العظيم، ويكفي قوله - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279].
والأحاديث الأخيرة كلها تدل على أنه لا يجوز بيع جنس بجنس متفاضلا، البر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، الملح بالملح، الذرة بالذرة، إلى غير ذلك لا يجوز متفاضلا، بل لا بدّ من التساوي والتقارب يدًا بيد مثلًا بمثل كما في حديث عبادة وغيرها، أما إذا اختلفت الأصناف فلا بأس أن يبيعوا كيف شاءوا لكن يدًا بيد، فإذا باع تمرًا بشعير فلا بأس باتخاذ صاعين من تمر بخمسة أصواع من شعير لا بأس لكن يدًا بيد، أو باع برًا بذرة مختلف لا بأس لكن يدًا بيد، كما يجوز الذهب بالفضة مختلفًا يدًا بيد، المقصود إذا كان جنسًا واحدًا لا بدّ من أمرين التماثل والتقابل، أما إذا كان جنسين من الربا كالتمر والبر فإنه يشترط التقابل فقط إذا اختلف الجنس، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
بَابٌ فِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ
2249 - عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسٍ غَيْرِ التَّمْرِ لَجَازَ.
بَابُ مَنْ بَاعَ ذَهَبًا وَغَيْرَهُ بِذَهَبٍ
2250 - عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «اشْتَرَيْتُ قِلَادَةً يَوْمَ خَيْبَرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَّلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «لَا يُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَفِي لَفْظٍ: «أُتِيَ النَّبِيَّ ﷺ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا، قَالَ فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
بَابُ مَرَدِّ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
2251 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: الحديث الأول يدل على أنه لا يجوز بيع المجهول من الربوي بالمعلوم حتى يتساويا ويعلم التساوي، لأنه ﷺ نهى عن بيع الصبرة من التمرة لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى، فدل ذلك على أنه لا بدّ من العلم بالتماثل بين الجنس الواحد، فإذا باع صبرة من تمر بتمر آخر فلا بدّ من التماثل، وهكذا صبرة من حنطة بصرة من الحنطة أو غيرها لا بدّ من التماثل لقوله ﷺ في الربويات: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى لا بدّ من العلم بالتساوي.
وكذلك إذا كان الذهب مخلوطا أو الفضة مخلوطة بشيء آخر فلا بدّ من فصله حتى يحصل تماثل، ولهذا لما اشترى إنسان قلادة فيه ذهب وخرز أمر النبي ﷺ أن تفصل، فيباع الذهب على حده مثلًا بمثل يدًا بيد، والباقي على حده أو يباع بنقد آخر، كأن يباع بفضة يدًا بيد فلا بأس، المقصود أنه إذا كان في السلعة ذهب فلا يبيع بالذهب إلا مفصلا، أو كان فيها فضة فلا يباع بالفضة إلا مفصلا، حتى يحصل شرط البيع، وذلك بالتماثل بين الجنس الواحد ذهب بذهب، فضة بفضة، لا بدّ من التماثل والقبض يدًا بيد، كثير من الناس قد يتساهل في هذا الأمر وهو منكر، لا يجوز التساهل فيه.
بعده (المكيال مكيال أهل المدينة)
كذلك يدل على أن العبرة بالمكيلات مكيل المدينة، والموزونات وزن أهل مكة، ما كان من موزونات مكة فهو موزون، وما كان من مكيلات مكة فهو مكيل، وإذا عرف أنه مكيل بطرق أخرى في بلدان أخرى فلا بأس، فالحاصل أنه إذا كان ربوي لا بدّ أن يكون مثلًا بمثل، سواء مكيلًا أو موزونًا لا بدّ يكون مثلًا بمثل، أما الفاكهة وأشباهها فيعفى عنها.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ كُلِّ رَطْبٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ بِيَابِسِهِ
2252 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2253 - وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: «وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ».
2254 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا
2255 - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ فِيهِ: «وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ».
2256 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: «عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2257 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ حِينَ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِخَرْصِهَا يَقُولُ: الْوَسْقَ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2258 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: «رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ». أَخْرَجَاهُ، وَفِي لَفْظٍ: «بِالتَّمْرِ وَبِالرُّطَبِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم بيع الرطب بالتمر، والعنب بالزبيب، والزرع بالحب، إلا العرايا خاصة، فالمزابنة هي أن يبيع التمر في رؤوس النخل الرطب بالتمر، أو يبيع العنب بالزبيب، أو يبيع الزرع بالحب، لأن هذا مجهول التماثل، والقاعدة في الشرع أن الربويات الجهل فيها بالتماثل كالعلم بالتفاضل، إلا في العرايا خاصة لهذه الأحاديث الدالة على جواز العرايا، وهي في التمر خاصة أن يشتري تمرًا في رؤوس النخل رطبا في رؤوس النخل بخرص ذلك تمرًا يسلمه لصاحبه يدًا بيد، وهذه يقال لها العرايا في أقل من خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا يأكلونها رطبًا فضلا من الله، ورخصة من الله - جل وعلا - أن تشتري رطبًا في رؤوس النخل خاصة بخرصها تمرًا، يخرص عليك خمس نخلات ست نخلات رطبًا بخرصها تمرًا في أقل من خمسة أوسق، وسقين أو ثلاثة أو أربعة تأكلها رطبًا، وما زاد على ذلك فهو ممنوع، خمسة فأكثر ممنوع، ولا يجوز أيضا في الزبيب، ولا في الحنطة، إنما هذا في التمر خاصة. وفق الله الجميع
بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ
2259 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ». رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.
بَابُ جَوَازِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسِيئَةِ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ
2260 - عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
2261 - وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى صَفِيَّةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
2262 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَبْعَثَ جَيْشًا عَلَى إبِلٍ كَانَتْ عِنْدِي قَالَ: فَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَيْهَا حَتَّى نَفَدَتْ الْإِبِلُ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْإِبِلُ قَدْ نَفِدَتْ وَقَدْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ النَّاسِ لَا ظَهْرَ لَهُمْ، فَقَالَ لِي: ابْتَعْ عَلَيْنَا إبِلًا بِقَلَائِصَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى مَحَلِّهَا حَتَّى تُنَفِّذَ هَذَا الْبَعْثَ، قَالَ: فكُنْتُ أَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِقَلُوصَيْنِ وَثَلَاثِ قَلَائِصَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى مَحَلِّهَا حَتَّى نَفَّذْتُ ذَلِكَ الْبَعْثَ، فَلَمَّا جَاءَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ أَدَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِمَعْنَاهُ.
2263 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ بَاعَ جَمَلًا يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.
2264 - وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى عبداللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق ببيع الحيوان بالحيوان نسيئة ونقدًا، والصواب أنه لا حرج في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ونقدًا متفاضلة ومتماثلة للأحاديث المذكورة، أما حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فهو من رواية الحسن عن سمرة، وهي رواية ضعيفة، ولو صح فالمراد إذا كان نسيئة دينًا بدين، حيوان نسيئة بحيوان نسيئة، أما إذا كان أحدهما نقدًا فلا حرج، كأن يشتري بعير ببعيرين أو بثلاثة أو بأربعة إلى أجل فلا حرج في ذلك.
أما حديث ابن المسيب أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان فهذا ضعيف لأنه مرسل، وإن كان بعضهم قد قوى مراسيل ابن المسيب لكن الأصل هو الجواز، الله - جل وعلا - قال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] فلا حرج في بيع لحم بحيوان، كما لا حرج في بيع الحيوان بالحيوان، كأن يبيع بعير ببعيرين، أو بشاتين، أو ببغلتين، أو بحمارين، لا بأس بذلك متفاضلا ومتساويا كما في حديث عبدالله بن عمرو لما جهز الجيش باع الحيوان، اشترى إبلا إلى إبل الصدقة مؤجلة، وفق الله الجميع.
بَابُ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ لَا يَشْتَرِيهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا
2265 - عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ: «أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمَائِةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً، وَإِنِّي ابْتَعْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمَائِةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا شَرَيْتِ، إنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَدْ بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ
2266 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَلَاءً، فَلَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّبُهَاتِ
2267 -عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2268 - وَعَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
2269 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «إنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَيُصِيبُ التَّمْرَةَ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنَّهَا مِنْ الصَّدَقَةِ أَكَلْتُهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2270 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2271 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
الشيخ: في الحديث الأول والثاني فيما يتعلق بالعينة، والعينة هي أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل نقدًا، يقال لها العينة، وهذا من الربا، لأن التحيل على بيع دراهم بدراهم أكثر منها، والرسول ﷺ قال: الذهب بالذهب مثلا بمثل سواء بسواء، والفضة بالفضة مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد، ومن هذا قصة أم ولد زيد بن أرقم باعت غلامًا بألف ثم اشترته بستمائة درهم نقدًا، فقالت لها عائشة: "بئسما ما شريت وبئسما اشتريت، أخبري زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب"، ومن هذا حديث ابن عمر: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم، ويقول مثلًا هذا البيت عليكم بخمسين ألف وأنا أشتريه منك بكذا وكذا، أبيعه عليك بخمسين ألف وأشتريه منك، يبيع البيت بثمن مؤجل ثم يشتريه بنقد، فالمعنى أنه باع نقدًا بثمن أكثر مثلما باعت أم ولد زيد بن أرقم، فالواجب على المؤمن أن يحذر الربا ومعاملات الربا، لأن الله - جل وعلا - قال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] فيجب الحذر من ذلك، وإذا أراد أن يبيع السلعة على زيد أو عمرو يشتريها منه إلى أجل إذا أراد يشتريها منه إلى أجل فليبعها على غيره ما هو عليه، هو اشتراه منه بكذا وكذا يبيعها على غيره ويتخرج لا يبيعها عليه هو حتى يبتعد عن الربا.
كذلك حديث النعمان بن بشير: من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وحديث: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، كذلك حديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وحديث أنه ﷺ رأى تمرة في الطريق فقال: لولا أني أخاف أنها من الصدقة لأكلتها، كل هذا فيه البعد عن الريبة، وأن المؤمن يبتعد عن الريبة ويحذر الحرام ووسائله كما حذره النبي ﷺ وتباعد عنه وقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
ولا شك أن الإنسان إذا تساهل بالشبهات جره ذلك إلى الوقوع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى مثل إنسان يرعى إبله أو غنمه حول الزرع - زرع الناس - لو غفل أو نعس رتعت زروع الناس، لكن إذا أبعدها عن زروعهم كان هذا أسلم، حتى لو نعس أو غفل أمكنه التنبه قبل أن تصل إلى زروع الناس، والمقصود من هذا كله أن المؤمن يتباعد عن المضرة على إخوانه، ويتباعد عن الوقوع في الحرام، ويجتهد في أسباب السلامة، وفق الله الجميع.
س: حكم الوقوع في الشبهات هل هو للتحريم أم للكراهة؟
الشيخ: ظاهر النصوص الكراهة.
أَبْوَابُ أَحْكَامِ الْعُيُوبِ
بَابُ وُجُوبِ تَبْيِينِ الْعَيْبِ
2272 - عَنْ وَهْبِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
2273 - وَعَنْ وَاثِلَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2274 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ.
2275 - وَعَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ قَالَ: «كَتَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا -أَوْ أَمَةً- لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
بَابُ أَنَّ الْكَسْبَ الْحَادِثَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ
2276 - عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى: أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: غَلَّةُ عَبْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَرَى تَلَفَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم الغش، وأن الواجب على المتبايعين أن يوضحا ما في السلعة وما في الثمن من العيوب، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يغشه، فعلى البائع وعلى المشتري وعلى كل واحد أن يبين ما في السلعة من عيوب، أو في الثمن من عيوب حتى لا يغش أخاه من غشنا فليس منا، ولما مر على صرة من طعام وأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا قال: ما هذا يا صاحب الطعام، أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا. ويقول ﷺ: الخراج بالضمان فإذا كانت السلعة مضمونة فخراجها لضامنها التي هي في ضمانه، كسب العبد ولبن الناقة والبقرة ونحو ذلك لمن اشتراها لأنها من ضمانه، الخراج بالضمان فينبغي للمؤمن أن يحتاط وأن يحذر غش أخيه في أي سلعة وفي أي معاملة، المسلم أخو المسلم، الدين النصيحة، يقول جرير : «بايعت رسول الله ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم».
س: قوله: ليس منا؟
الشيخ: من باب الوعيد كسائر أحاديث الوعيد لا يتأول، من باب التحذير ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُصَرَّاةِ
2277 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّاعَ مِنْ التَّمْرِ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إذَا مَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لِقْحَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إمَّا هِيَ وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْسِكُ بِغَيْرِ أَرْشٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ مِنْهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
2278 - وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: قَالَ عبداللَّهِ: مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِهِ وَزَادَ: مِنْ تَمْرٍ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ التَّسْعِيرِ
2279 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَعَّرْتَ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلِمَةٍ ظَلَمْتُهَا إيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: الأحاديث الأولى تدل على أنه لا بأس بشراء الشاة أو البقرة أو الناقة المصراة، وأن العقد صحيح، ولكن يرد مكان اللبن إذا لم تناسبه صاعًا من تمر، والبيع صحيح، لكن ليس لأحد أن يصري الإبل والغنم لأن هذا غش، فليس له التصرية لكن البيع صحيح، ولهذا قال ﷺ: لا تصروا الإبل والغنم، والتصرية يسمونها التهييب، كونه يجمع لبنها فيها لبنها في الليل ولبنها في النهار ويبيعها على أن هذا لبنها، يحسب الناس أن هذا لبنها صباحًا وهو مجموع من وجبتين أو ثلاث هذا غش للناس، من غشنا فليس منا، ولهذا قال ﷺ: لا تصروا الإبل ولا الغنم، ومع هذا العقد صحيح، فإن ناسبته أبقاها، وإن أبى ردها ورد معها صاعًا من تمر عن اللبن الذي حلبه، والحديث الأخير حديث أنس في التسعير، لا يجوز التسعير دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، لما قيل: يا رسول الله سعر لنا؟ قال: «إن الله هو المسعر القابض الباسط»، فليس لأحد أن يسعر على الناس بل دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، ولهذا نهى عن الحاضر للبادي وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، فهكذا لا يسعر على الناس يقال: الحنطة صاعها بكذا، والرز صاعه بكذا، والتمر صاعه بكذا، والثياب التي صفتها كذا لا، دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، لكن ليس للإنسان أن يغش الناس، يخالف الناس، إذا كان الناس يبيعون صاع التمر بريال لا يغش الناس يبيعهم الصاع بريالين لأنهم غرباء جاهلون، لا يغشهم بل يبيع كما يبيع الناس، إما أن يبيع كما يبيع الناس، وإلا يعتزل السوق كما أمر عمر رضي الله عنه وأرضاه.
والحاصل من هذا أنه لا يجوز التسعير ولا غش الناس، بل يبيع كما يبيع الناس، ولا يغش الناس، إذا جاء جاهل غريب زاد عليه في الثمن. وفق الله الجميع.
س: من عجز عن رد التمر مع الشاة المصراة؟
الشيخ: يتفق هو وإياه على قيمة التمر.
س: من أسماء الله المسعر؟
الشيخ: نعم للحديث المذكور.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاحْتِكَارِ
2280 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عبداللَّهِ الْعَدَوِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ. وَكَانَ سَعِيدٌ يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
2281 - وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
2282 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
2283 - وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مِنْ بَأْسٍ
2284 - عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَازِنِيِّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا مِنْ بَأْسٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ
2285 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَرَادَّانِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ: وَالْبَيْعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالسِّلْعَةُ كَمَا هِيَ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عبداللَّهِ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَالْبَيْعُ مُسْتَهْلَكٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: «وَأَتَاهُ رَجُلَانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً، فَقَالَ هَذَا: أَخَذْت بِكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ هَذَا: بِعْت بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُتِيَ عبداللَّهِ فِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ: حَضَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي مِثْلِ هَذَا، فَأَمَرَ بِالْبَائِعِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ، ثُمَّ يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ».
الشيخ: الحديث الأول يدل على تحريم الاحتكار، وأنه لا يجوز أن يحتكر على المسلمين أطعمتهم وحاجاتهم دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض لا في الطعام ولا في غيره بل يترك للناس أسواقهم وبيعهم ولا يحتكر عليهم كما تقدم في تحريم التسعير دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، ولا يحتكر إلا خاطئ، أما إذا اختلف البيعان في السلعة فهذا يختلف، فإن كان هناك بينة يعمل بالبينة، وإن كان ما هناك بينة فالمدعى عليه يحلف أو يتفاسخان إذا اختلف في شيء بينهما، فإذا باعه مثلًا بيتًا أو أرضًا واختلفا فيما جرى بينهما فيها صفرة أو فيها جزء مشاع لأحد أو ما أشبه ذلك فلا بدّ من البينة بما يدعيه أحدهما أو يفسخ البيع، لأن النبي ﷺ نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر، فلا يجوز أن يكون بيعهما فيه غرر، فلا بدّ من إيضاح الحقيقة، إيضاح المبيع، وإذا كان في المبيع عيب وجب إيضاحه، فإذا اختلفا فيه فلا بدّ من البينة أو اليمين لقوله ﷺ: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.
كذلك كسر السكة لا يجوز، العملة التي بين المسلمين لا يجوز لولي الأمر كسرها إلا من علة شرعية تنفع المسلمين، وإلا فتترك دارجة بينهم لأنها تتعلق بها حقوقهم وديونهم ونفقاتهم إلا من علة شرعية تنفع المسلمين.
س: صحة الأحاديث في باب الاحتكار دون حديث سعيد؟
الشيخ: حديث: لا يحتكر إلا خاطئ رواه مسلم، والباقي شواهد.
س: المقصود بالسكة؟
الشيخ: العملة.
كتاب السلم
2286 - عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ في ثمر فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي السَّلَمِ فِي مُنْقَطِعِ الْجِنْسِ حَالَةَ الْعَقْدِ.
2287 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعبداللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَا: «كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، قِيلَ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَا: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالتَّمْرِ وَمَا نَرَاهُ عِنْدَهُمْ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
2288 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
2289 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَسْلَفَ سلفا فَلَا يَشْرِطْ عَلَى صَاحِبِهِ غَيْرَ قَضَائِهِ، وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ إلَّا مَا أَسْلَفَ فِيهِ أَوْ رَأْسَ مَالِهِ رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ دَلِيلُ امْتِنَاعِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِيهِ، وَالثَّانِي يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ فِي الْبَعْضِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالسَّلَم، والسَّلَم هو شراء ما في الذمة إلى أجل معلوم يسمى سَلَم، إذا اشترى ما في الذمة من كيل أو وزن إلى أجل معلوم يسمى سَلَمًا، يقول ﷺ لما قدم المدينة: من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فهذا إيضاح المعنى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] فمن البيع الحلال هذا السلم، ويدخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] ويدل على تحريم الجهالة والغرر لأن الرسول نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر، فإذا لم يحصل الشروط جاء الغرر، فلا بدّ من ضبط المسلم فيه بكيل أو وزن أو ذرع أو عد إذا انضبط بذلك مع ذكر الأجل، ويدل بقية الأحاديث على ما فيها من الضعف أنه لا يصرف في غيره، يأخذ ما أسلم فيه فقط، وهذا يدل عليه الأحاديث الصحيحة أن الرسول ﷺ نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، ونهى عن بيع المبيع حتى ينقل، حتى يقبضه وينقله إلى رحله، فهذا يدل على أن المسلم فيه لا يباع على المسلم إليه ولا على غيره، بل إما أن يقيله، وإما أن يعطيه حقه، إن تيسر تسليم حقه فالحمد لله، وإلا فالإقالة، والرسول ﷺ نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، قال ابن عباس: لا أحسب كل شيء إلا مثل ذلك.
س: لا بدّ أن يكون إلى أجل؟
الشيخ: لا بدّ من أجل، ما يسمى سلم إلا بأجل.
كتاب القرض
بَابُ فَضِيلَتِهِ
2290 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
بَابُ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَالْقَضَاءِ مِنْ الْجِنْسِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ
2291 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سِنًّا، فَأَعْطَى سِنًّا خَيْرًا مِنْ سِنِّهِ، وَقَالَ: خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2992 - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «اسْتَسلَفَ النَّبِيُّ ﷺ بَكْرًا، فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقُلْت: إنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًّا، فَقَالَ: أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
2293 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ ﷺ يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا: إنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ فَنَقْضِيَكِ». مُخْتَصَرٌ لِابْنِ مَاجَهْ.
بَابُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْوَفَاءِ وَالنَّهْيِ عَنْهَا قَبْلَهُ
2294 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ، فَجَاءَ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أُعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا إلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أُعْطُوهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً.
2295 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ ﷺ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
2296 - وَعَنْ أَنَسٍ وَسُئِلَ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي إلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
2297 - وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا أَقْرَضَ فَلَا يَأْخُذْ هَدِيَّةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
2298 - وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عبداللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ لِي: إنَّك بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على فضل القرض لما فيه من التوسعة على المسلمين والتعاون بين المسلمين كما قال ﷺ: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة فالقرض فيه تنفيس، وقال ﷺ: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، وقال ﷺ: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه والقرض داخل في هذا، وفي الحديث الأول الدلالة على أن القرض مرتان كصدقة مرة، وبكل حال القرض فيه خير عظيم وفضل كبير لما فيه من التوسعة على المسلمين والتعاون على البر والتقوى، والأفضل للمقترض أن يقضي خيرًا مما اقترض إن خيار الناس أحسنهم قضاء، لكن لا يشترط زيادة في القرض ولا يعطي شيئًا قبل وفائه، يهديه هدية تبن أو تمر لا، لا يهدي إليه هدية، لكن إذا قضاها أحسن، فلا بأس عند القضاء، إذا قضاه أحسن مما أقرضه عشرة وأعطاه عشرين، أقرضه تمر رديء وأعطاه تمر طيب، هذا أفضل إن خيار الناس أحسنهم قضاء، ولهذا قضى النبي ﷺ أحسن مما قبض، وأعطى صاحب القعود أحسن من قعوده، وقال: إن خيار الناس أحسنهم قضاء هذا هو المشروع للمؤمن، لكن إذا كان لك دين على إنسان أو قرض على إنسان فأهدى لك فلا تقبل، لا تبن ولا تمر ولا غيره، لأن هذا معناه مقابل القرض، يعني حتى تمهله أو لأنك أقرضته أو حتى تمهله في القضاء فلا تقبل، لكن عند القضاء إذا قضيته أحسن وأعطيته أكثر فأنت مأجور، وفق الله الجميع.
س: النهي للتحريم أو للكراهة؟
الشيخ: للتحريم يا ولدي.
كتاب الرهن
2299 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «رَهَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دِرْعًا عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
2300 - وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ»، وَفِي لَفْظٍ: «تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ». أَخْرَجَاهُمَا، وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَمُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
2301 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً، فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلْفُهَا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ، وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2302 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على جواز الرهن في الحضر والسفر؛ لأن الله - جل وعلا - قال: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] صرح سبحانه بالسفر، وجاءت الأحاديث الصحيحة بالرهن في الحضر، فدل على أنه لا حرج في الرهن حضرا أو سفرا، والرهن هو أخذ وثيقة بالحق يسمى رهن، إذا أقرضته شيئًا أو بعته إلى أجل وأخذت منه وثيقة مالية كبيت أو أرض أو سيارة حتى يسدد الثمن هذه تسمى رهنًا، والأفضل أن يكون مقبوضًا إذا تيسر، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أن يكون غير مقبوض، ولكن الأحوط والأفضل أن يكون مقبوضا لقوله: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283].
وفي هذا أنه ﷺ شرى بالرهن، وتوفي ودرعه مرهونة عند بعض اليهود في شعير اشتراه لأهله، وفيه من الفوائد جواز معاملة أهل الذمة والكفار، لا بأس أن يشترى منهم الحبوب والملابس وغير ذلك، وليس داخلا في الموالاة، الرسول ﷺ اشترى من اليهود ومن غيرهم.
وفيه من الفوائد أن الرهن إذا كان مركوب أو فيه لبن، فالذي يركب ويشرب هو الذي يقوم بالنفقة، الذي يركب الدابة ويشرب درها يقوم بنفقتها وهو المرتهن، فإن كان الراهن هو الذي يركب وهو الذي يشرب فعليه النفقة.
وفيه من الفوائد أن الرهن لا يغلق من صاحبه، يبقى في ملك صاحبه ولا يغلق عليه حتى يوفي أو يباع ويسدد الثمن، أما أنه يأخذه المرتهن لا، بل صاحبه مخير إن شاء أوفى وأخذ الرهن، وإن شاء باع الرهن وسدد الدين والباقي له. وفق الله الجميع.
0 88: dm4588a03ktc88z05.html
إرسال تعليق