dm4588a03ktc88z05.html
المشرف على التحرير اقتصادى/ محمد ابو الفتوح نعمه الله وكيل مؤسسى حزب العداله والتنميه - قيد التأسيس ت / 01005635068 / 01119841402 / 002

Translate

اهم الموضوعات

  • https://www.facebook.com/nematallah2
  • https://twitter.com/mr_nematallah
  • {icon: "instagram", url: "#"}
  • {icon: "linkedin", url: "#"}
  • {icon: "youtube", url: "#"}
  • {icon: "vk", url: "#"}
  • {icon: "behance", url: "#"}
  • {icon: "stack-overflow", url: "#"}
  • {icon: "dribbble", url: "#"}
  • {icon: "rss", url: "#"}

شارك الصفحه مع اصدقاءك

  الفيس بوڪ  اضغط هنا
  المنتدى  اضغط هنا

اول براءة اختراع من نوعها فى مصر والعالم ... اقرأ التفاصيل

اول براءة اختراع من نوعها فى مصر والعالم ...    اقرأ التفاصيل
محركات ومولدات ذاتية الحركة والتشغيل تعمل بدون وقود اوكهرباءاو اى مصادر خارجيه للطاقه اقرأ المزيد

للتواصل مع ادارة الموقع 00201550797145

يمكن التواصل مع مسئول الموقع : اقتصادى / محمد ابو الفتوح نعمة الله تليفونيا اوعبر الواتس اب 00201550797145

الأربعاء، 21 أبريل 2021

كتاب حد السرقه - على المذاهب الاربعه

 

الفقه على المذاهب الأربعة

كتاب حد السرقة
-أما حد السرقة (1) فقد بينه الله تعالى بقوله في كتابه العزيز فقال: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهم جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم} آية - 37 - من سورة المائدة.
__________
(1) (حد السرقة من الحدود الثابتة بالكتاب والسنة، واجماع الأمة، فذكر الله تعالى حده في الآية الكريمة. وأمر بقطع يد السارق ذكراً كان، أو أنثى، عبداً، أو حراً، مسلماً، أو غير مسلم. صيانة للأموال وحفظاً لها. ولقد كان قطع يد السارق معمولاً به في الجاهيلة قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أقره وزاد عليه شروطاً معروفة كالقسامة، والدية، وغيرهما من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه في الجاهلية، وزيادات هي من تمام المصالح للإنسانية. ويقال: إن أول من قطع في الجاهلية اهل قريشن قطعوا رجلاً يقال له (دويك) مولى لبني عليج بن عمرو بن خزاعة لأنه سرق كنز الكعبة المشرفة، فحكموا عليه بقطع يده. وأول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال، الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء - مرة بنت سفينان بن عبد الأسد، من بني مخزوم، وقطع سيدنا أبو بكر يد (اليمنى) الذي سرق العقد، من أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق وكان اقطع اليد اليمنى، فقطع أبو بكر رضي الله عنه، يده اليسرى. وقطع سيدنا عمر بن الخطاب يد - أبن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة، ولا خلاف في ذلك.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم السارق الذي يبذل اليد الثمينة الغلية في الشياء الرخيصة المهينة، وقد اعترض بعضهم على هذا الحكم، وقال: كيف يحكم بقطع يد قيمتها في الدية خمسمائة دينار، في ثلاثة دراهم؟ وأجابوا عليه: بأن اليد لما كانت أمينة كانت ثمينة، ولما خانت هانت - وقالوا: إن ذلك من أسرار أحكام الشريعة الغراء لأن الشارع جعل قيمة اليد في باب الجنايات بخمسمائة دينار، حتى تحترم فلا يجنى عليها، اما في باب السرقة فلما خانت الأمانة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموالز ولهذا علل الله تعالى قطع اليد في السرقة بقوله عز وجل {جزاء بما كسبا نكالاً من الله} أي تقطع مجازاة على صنيعها السيء في أخذها أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك (نكالاً من الله) أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل، وعبرة لغيرهما، فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته، ويجلب له الخزي والعار، ويسقطه في نظر المجتمع وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم، وأرواحهم، وأعراضهم.

(5/138)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومعى الآية الكريمة - أن كلاً من السارق السارقة يجب قطع أيديهمان فإذا سرق الذكر حراً، أو عبداً تقطع يده، وإذا سرقت الأنثى تقطع يدها، لأن كلاً من الذنبين يقع من كل منهما، فأراد الله زجر كل منهما (والله عزيز) لا يغالب ولا يقهر (حكيم) فيما يفعله ويشرعه، فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة، وتطهر المجتمع من المنكرات والمفاسد، وتجلب له السعادة والأمان.
وذكر الله تعالى حد السرقة في كتابه العزيز ونص عليه ووضحه، كما ذكر حد الزنا أيضاً لأهمية كل منهما للمجتمع، ونص على ذكر الذكر والأنثى فيهما، وإن كانت الأحكام الشرعية مشتركة بينهما عند الإطلاق، وتغليب وصف الذكورة، وضمائرها في الكلام، إلا ما خص الشرع به الرجال، كالإمامة، والقتال للتأكيد، وحتى لا يظن ظان أن السرقة، والزنا، كما كان في الرجال أظهر كان الحد على الرجال دون النساء وإنما بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر السارق، في هذه الآية قبل ذكر السارقة، وفي آية الزنى بدأ بذكر الزانية قبل الزاني، لأن حب المال عند الرجال أقلب من النساء، والسرقة تقع من الرجال أكثر من النساء، لذلك بدأ بذكر الرجال في حد السرقة ولما كانت شهوة الاستمتاع على النساء أغلب، فصدرها تقليظاً لتردع شهوتها، وإن كانت قد ركب فيها الحياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، ولأن الزنى في النساء أعز، وهو لأجل الحبل أضرن ولأن العار في النساء ألحق اذ موضعهن الحجب في البيوت، والصيانة في المنازل. فقد ذكرهن في آية الزنى تغليظاً، واهتماماً. وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد وهو العضو الذي يتناول المال، وياخذه عقوبة له، ولم يجعل حد الزنى، قطع الذكر، مع أنه العضو الذي باشر الفاحشة به واتصل بالأنثى لآنه يوجد للسارق مثل اليد التي قطعت، فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، ووجد عوضاً عنها، ولكن لا يوجد للزاني مثل ذكره، فإذا قطع لا يعتاض بغيره، ولا يجد عضواً يسد مسده. وأيضاً، لأن قطع الذكر فيه إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله. فضرره على المجتمع أخطر، وقوله تعلى {فاقطعوا} القطع معناه الإبانة والإزالة، ولا يجب القطع إلا بوجود أوصاف تعتبر في السارق، وفي الشيء المسروق، وفي الموضع المسروق منه، وفي صفته. فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف:
البلوغ - فلا يقطع الصبي إذا سرق لنه غير مكلف في نظر الشريعة.
العقل - فلا يقطع المجنون، لأن القلم مرفوع عنه حتى يفيق.
أن يكون غير مالك للمسروق منه، فلا يقطع الأب إذا سرق من مال ولده، ولا الولد إن سرق من مال أبيه.
وأن لا يكون له عليه ولاية، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ من مال عبده لا قطع بحال، لأن العبد وماله لسيده، ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده، لأنه آخذ لماله.

(5/139)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وأن لا يكون محارباً في دار الحرب - وأن يكون مختاراً غير مكره كالمجاهد إن سرق من مال الغنيمة، وقد روي أن عبداً من مال الخمس سرق من الخمس، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه، وقال: (مال الله سرق بعضه بعضاً) ولا تقام الحدود في ميدان الجهاد.
وأما ما يعتبر في الشيء المسروق، فأربعة أوصاف:
- 1 - وهي النصاب. على اختلاف بين العلماء في مقداره، فلا يقطع من سرق أقل من النصاب.
- 2 - وان يكون مما يتمول، ويتملك، ويحل بيعه، فلا يقطع من سرق الخمر، والخنرير، وآلات اللهو والطرب.
- 3 - وأن لا يكون للسارق ملك، كمن سرق ما رهنه، أو ما استأجره، ولاشبهة ملك. كالذي يسرق من المغنم، أو من بيت المال، لأن له فيها نصيباً، وروي عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه، أنه أتي برجل سرق مغفراً من الخمس، فلم ير عليه قطعاً وقال: له فيها نصيب.
أن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير، والأعجمي الكبير، لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح، فإنه لا يقطع فيه.
وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منهن فوصف واحد. وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق، وجملة القول فيهن أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه، وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزهن فالدور، والمنازل، والحوانيت حرز لما فيها، غاب عنها أهلها، أو حضروا، وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين، والسارق لا يستحق فيه شيئاً، وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام، وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية، الا ترى أن الإمام قد يجوز ان يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح، ولا يفرقه في الناس أو يفرقه في بلد دون بلد آخر، ويمنع منه قوماً دون قوم ففي التقدير أن هذا السارق مما لا حق له فيه، فيقطع إذا سرق منه. وظهور الدواب حرز لما حملت، وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع، وإن لم يكن هناك حانوت، كان معه أهله، ام لا، سرقت بليل، أو نهار. وكذلك موقف الشاة في السوق، مربوطة، أو غير مربوطة، والدواب على مرابطها محرزة كان معها أصحابها، أم لا، فإن كانت الدابة بباب المسجد، أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ، ومن ربطها بفنائها، أو اتخذ موضعاً مربطاً لدوابه، فإنه حرز لها.
والسفينة حرز لما فيها من المتاع والمال، سواء كانت سائبة أم مربوطة، فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة، إن كانت سائبة فليست بمحرزة، وإن كان صاحبها ربطها في موضع وأرساها فيه، فربطها حرر، وهكذا، إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة، كالدابة التي بباب المسجد ومعها حافظ لها. إلا أن ينزلوا بالسفينة منزلاً في سفرهم فيربطوها فهو حرز لها كان معها صاحبها، ام لا. والساكنون معاً في دار واحدةن كالفنادق التي يسكن كل رجل بيته على حدة، أو عمارة الطلاب

(5/140)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
التي يسكن فيها كل طالب منهم في حجرة مستقلة، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا ضبط وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار، وإن لم يدخل بها بيته، ولا خرج بها من الدار. أما من سرق منهم من قاعة الدر شيئاً قيمته نصاب فلا يقطع فيه، وإن أدخله بيته، أو أخرجه من باب الدار، لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء، إلا أن تكون دابة في مربطها، أو دراجة مربوطة، أو ما يشبهها من المتاعن فإنه يقطع فيها في هذه الحال
تعريف السرقة وأركانها.
واركان السرقة ثلاثة، لا بد منها، سارق، ومسروق، وسرق، ولكل منهم شروط كما سبق. والسرقة: أخذ العاقل، البالغ نصاباً محرزاً، أو ما قيمته نصاب، ملكاً للغير، لا ملك له فيه ولا شبهة ملك على وجه الخفية، مستتراً من غير أن يؤتمن عليهن وكان السارق مختاراً غير مكره، سواء أكان مسلماً، أم ذمياً، أو مرتداً، ذكراً، أو أنثى، حراً، أو عبداً. إذا وجدت هذه الشروط وجب إقامة الحد، وهو قطع يد السارق اليمنى إن كانت سليمة، فاما إن كانت مقطوعة' أو مشلولة، فإنه تقطع اليد اليسرى، وذلك فإجماع آراء علماء الأمة من غير خلاف منهم، وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس، تميل إليه الطباع البشريةن خصوصاً عند الضرورة، والحاجة، ومن الناس من لا يردعهم عقل، ولا يمنعهم الحياء ولا تذجرهم الديانة، ولا تردهم المروءة والأمانة، فلولا الزواجر الشرعيةن من القطع والصلب ونحوهما، لبادروا إلى اخذ الأموال مكابرة من أصحابها على وجه المجاهرة أو خفية على وجه الاستمرار، وفيه من الفساد ما لا يخفى، فناسب شرع هذه الزواجر في حق المستمر والمكابر، في سرقتي الصغرى، والكبرى، حسماً لباب الفساد، وأصلاحاً لأحوال العباد. والعبد والحر في القطع سواء، لإطلاق النصوص، ولأن القطع لا يتنصف، فيكمل في العبد صيانة لموال الناس.
مقدار النصاب
الحنفية - قالوا: نصاب حد السرقة، دينار، أو عشرة دراهم، مضروبة غير مغشوشة، أو قيمة احداهما، وقيل: إن غير الدراهم تعتبر قيمته بالدراهم وإن كان ذهباً ويشترط ان تكون رائجة، واستدلوا على ذلك بما نقل عن أبن عباس، وأبن أم أيمن رضي الله عنهما، قالا: كانت قيمة الممجن الذي قطع فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم - وما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن) وكان ثمن المجن عشرة دراهم، قالوا: فهذا أبن عباس، وعبد الله بن عمرون قد خالفا أبن عمر في ثمن الممجن، فالاحتياط الأخذ بالأكثر، لأن الحدود تدرأ بالشبها، وفي الأقل شبهة عدم الجنايةن وعلى هذا فالأخذ بالأكثر أولى، وهة أدخل في باب التجاوز والصفح عن يسير المال، وشرف العضو.

(5/141)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
المالكية - قالوا: نصاب حد السرقة ثلاثة دراهم مضروبة خالصة، فمتى سرقها، أو مما يبلغ ثمنها فما فوق من العروض والحيوان وجب إقامة الحد عليه، وقطع يده، واحتجوا على ذلك بما روي عن نافع عن أبن عمر رضي الله تعالى عنهم، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، كما اخرجه الصحيحان البخاري، ومسلم - قال الإمام مالك رحمه الله: وقطع عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، في أترجة قومت بثلاثة دراهم، وهو أحب ما سمعت في ذلك، وهذا الأثر عن سيدنا عثمان رضي الله عنه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابيه، عن عروة بنت عبد الرحمن، أن سارقاً سرق في زمن سيدنا عثمان، أترجة فأمر بها عثمان ان تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثن عشر درهماً بدينار، فقطع عمان يده، قال المالكية: ومثل هذا الصنع يشتهر، ولم يكر فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي، قالوا وفيه دليل على جواز القطع في الثمار، وعلى اعقبار ثلاثة دراهم في نصاب حد السرقة، فإن لم يساوها ولو ساوى ربع دينار لا يقطع.
الشافعية - قالوا: نصاب السرقة ربع دينار، أو ما يساويه من الدراهم، والأثمان، والعروض، فصاعداً، فالأصل في تقويم الأشياء هو الربع دينار، وهو الأصل ايضاً في الدراهم فلا يقطع في الثلاثة دراهم إلا أن تساوي ربع دينار، واستدل الشافعية على مذهبهم بما أخرجه الشيخان، البخاري، ومسلم، عن طريق الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع يد السارق في ربع ديار فصاعداً) متفق عليه ولمسلم عن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقطع يد السارق، إلا في ربع دينار فصاعداً) قال الشافعية: فهذا الحديث فاصل في المسألة، ونص في اعتبار ربع الدينار، لا ماسواه، قالوا: وحديث ثمن المجن، وإن كان ثلاثة دراهم. لا ينافى هذا، لأنه اذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهماً، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطريق، ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول عمرو بن عبد العزيز، والليث بن سعد، والأوزعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. قالوا: والراجح من الآراء ان قيمة المجن ثلاثة دراهم لما ورج من حديث أبن عمر المتفق عليه عند المحدثين، ولأن باقي الأحاديث المخالفة له، لا تساويه في الصحة. وقال أبن العربي: ذهب سفيان الثوري، مع جلالته في الحديثن إلى أن القطع في حد السرقة، لا يكون إلا في عشرة دراهم - كما هو مذهب الحنفية - وذلك ان اليد محرمو بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أجمع عليه العلماء، والعشرة متفق على القطع بها عند الجميع، فيستمسك به، ما لم يقع الاتفاق على دون ذلك.
الحنابلة - قالوا: إن كل واحج من ربع الدينار، والثلاثة دراهم مراد شرعي، فمن سرق واحداً منهما، أو ما يساويه قطع، عملاً بحديث أبن عمرن وعملاً بحجيث عائشة رضي الله تعالى عنهما، ووفع في لفظ عن الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقطعوا في ربع

(5/142)


أي اقطعوا اليد من كل واحد سرق، سواء كان رجلاً أو امرأة (1)
__________
دينار، ولاتقطعوا فيما هو أدنى من ذلك) وكان ربع الدينار يومئذ يساوي ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهماً وفي لفظ للنسائي: (لا تقطع يد السارق، فيما دون ثمن المجن) قيل لعائشة رضي الله عنها وما هو ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار) فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله تعالى أعلم.)
(1) (محل القطع. اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى، على أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك اول سرقة له، وأول حد يقام عليه بالسرقة، وكان صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى، مع مفصل الكف، ثم تحسم بالزيت المغلي، وذلك لأن السرقة تقع بالكف مباشرة، والساعد والعضد يحملان الكف كما يحملهما معها البدن، والعقاب إنما يقع على العضو المباشر للجريمة، وإنما تقطع اليمنى أولاً لأن التناول يكون بها في غالب الأحوال، إلا ما شذ عند بعض الأفراد. ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه فعل ذلك حينما قطع يد المخزومية، وغيرها ممن أقام عليهم حد السرقة، وقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه تبين الإجمال في آية السرقة، وتوضح المراد من الأيدي، فإنه قرأ، (فاقطعوا أيمانهما) وهذا الحكم بإجماع المة من غير خلاف منهم. فإن عاد وسرق مرة ثانية، ووجب عليه القطع، تقطع رجله اليسرى، من مفصل القدم ويكوى محل القطع بالنار لينقطع نزيف الدم، أو يغمس العضو المقطوع في الزيت المغلي، كما أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وكما فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم امر بقطع يد السارق من الزند، وقال لأصحابه (فاقطعوه واحسموه) ولأنه إذا لم يحسم العضو يؤدي إلى التلف، لأن الدم لا ينقطع إلا به، والاحد زاجر غير متلف، ولهذا لا يقطع وقت الحر الشديد، لأنه يؤذي السارق، ثم اختلف الأئمة فيما إذا عاد وسرق مرة ثالثة، أيقطع ام لا؟
الحنفية - قالوا: فإن عاد وسرق بعد أن قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى يقف إيقاع الحد ولا يجب عليه القطع في المرة الثالثة، بل يضمن السرقة، ويحبس ويضرب حى يتوب عن السرقة، والأصل أن حد السرقة شرع زاجراً لا متلفاً، لأن المحدود شرعتم للزجر عن ارتكاب الكبائر، لا متلفة للنفوس المحترمة، فكل حد يتضمن إتلاف النفس من كل وجه، أو من وجه واحد لم يشرع حداً، وكل قطع يؤدي إلى إتلاف جنس المنفعة كان إتلافاً للنفس من وجه، فلا يشرع، وقطع اليد اليسرى في المرة الثالثة، والرجل اليمنى في المرة الرابعة يؤدي إلى إتلاف جنس منفعة البطش والمشي، فلا يشرع

(5/143)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
حداً، وإليه الإشارة بقول علي رضي الله تعالى عنه: إني استحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها، ويستنجي بها، ورجلاً يمشي عليها (وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم فانعقد اجماعاً - جماعاً) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه أي برجل أقطع اليد، والرجل قد سرق يقال له (سدوم) فأراد أن يقطعه، فقال له على بن أبي طالب كرم الله وجهه: إنما عليه قطع يد ورجل، فحبسه عمر رضي الله تعالى عنه ولم يقطعه، ففتوى على، ورجوع عمر رضي الله عنهما إليه من غير نكير، ولا مخالفة من غيرهما دليل على إجماعهم عليه، أو أنه كان شريعة عرفوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بخلاف القصاص، لأنه حق العبد، فيستوفى جبراً لحقه - ولأنه نادر الوجود، فيندر أن يسرق الإنسان بعد قطع يده، ورجله، والحد لا يشرع إلا فيما يغلب. وما روي من الحديث في قطع اربعة السارق، طعن في الطحاوي رحمه الله تعالى - أو نقول: لو صح لا حتج به الصحابة، على الإمام على رضي الله عنه، ولرجع إليهم، وحيث أنه قد حجهم ورجعوا إلى قوله من غير معارضة منهم، جل على عدم صحته.
فإن كانت يده اليمنى ذاهبة، أو مقطوعة، تقطع رجله اليسرى من المفصل، وإن كانت رجله اليسرى مقطوعة، فلا قطع عليه، لما فيه من الاستهلاك، على ما بينا، وضمن السرقة، ويحبس حتى يتوب. وإن كان اقطع اليد اليسرى أو امثلها، أو ابهامها، أو إصبعين سواها، وفي رواية ثلاث أصابع، أو اقطع الرجل المينى، أو اشلها، أو بها عرج يمنع المشي عليها فلا تقطع يده اليمنى ولا رجله اليسرى. والحاصل: أنه متى كان بحال لو قطعت يده اليمنى لا ينتفع بيده اليسرى، أو لا ينتفع برجله اليمنى لآفة كانت قبل القطع، لا يقطع، لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشاً، أو مشياً، وقوام اليد بالإبهام فعدمها أو شللها كشلل جميع اليد، ولو كانت اصبع واحدة سوى الإبهام مقطوعة، أو شلاء، قطع، لان قوات الواحدة لا يوجب نقصاً ظاهراً، في البطش، بخلاف الأصبعين لأنهما كالإبهام في البطش، ولو كانت اليد اليمنى شلاء شللاً جزئياً، أو ناقصة الأصابع يقطع في ظاهر الراوية.
المالكية والشافعية - قالوا: إذا سرق السارق أولاً قطعت يده اليمنى من مفصل الكف، ثم حسمت بالنار أو الزيت المغلي، فإذا سرق الثانية، قطعت رجله اليسرى، من المفصل، ثم حسمت بالنار، ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى، من مفصل الكف، ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل، ثم حسمت بالنار، ثم إذا سرق الخامسة، حبس، وعزر، ويعزر كل من سرق إذا كان سارقاً من حيث يدرأ عنه القطع، فإذا درأ عنه القطع لشبهة، عزر حسب مايراه الإمام زاجراً له عن ارتكاب الجريمة وكيفية القطع، ان يجلس ويضبط ثم تمد يدخ بخيط حتى يبين مفصله، ثم تقطه بحديدة حادة

(5/144)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثم يحسم، وإن وجد ارفق، وأمكن من هذا قطع به، لأنه إنما يراد به غقامة المحد، لا التلف، ولهذا لا يقطع السارق، ولا يقام حد، دون القتل على امرأة حبلى، ولا مريض دنف، ولا بين المرض، ولا في يوم مفرط البرد، ولا في يوم شديد الحر، ولا في أسباب التلف - ومن أسباب التلف الي يترك إقامة الحد فيها إلى البرء، ان تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده، ومن ذلك ان يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حداً، فيترك حتى يبرأ جلده، وكذلك كل قرح أو مرض أصابه. وحجتهم في جواز القطع في المرة الثالثة والرابعة ما روي من محديث جابر بن عبد اله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أي بعبد سرقن فقطع يده اليمنى، ثم أي به في الثانية فقطع رجله، ثم أتي به في الثالثة، فقطع يده اليسرى، ثم أتي به في الرابعة فقطع رجله اليمنى. وأخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله) .
وبما روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل، قدم على أب بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فشكا إليه أن عامل اليمن، طلمه فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق، ثم إنهم افتقدوا حلياً لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر، فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح، فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء، فاعترف به الأقطع، أو شهد عليه، فأمر أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده اليسرى، وقا أبو ذر: (والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته) . قال الشافعي رحمه الله: فبهذا نأخذ، فإذا سرق أولاً قطعت يده اليمنى، من مفصل الكف، ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار، ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنارن فإذا سرق الخامسة، حبس وعزر، قال أبن المنذر: (ثبت عن أبي بكر وعمر أنهما قطعا اليد بعد اليدن والرجل بعد الرجل) واحتج الحنفية على قولهم بعدم جواز القطع في الثالثةن وإنما يجب حبسه وتعزيره، وغرامتهن بما رواه اليهقي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال بعد أن قطع رجله وأتي به في المرة الثالثة: (بأي شيء يتمسح، وبأي شيء يأكل) لما قيل له يقطع يده اليسرى، ثم قال: أقطع رجله على أي شيء يمشي؟ إني لأستحي من الله عز وجل، ثم ضربه، وأدخله السجن) - وهو تكريم لابن آدم، وتعظيم لحرمته على حرمة المال. وقد أجاب المالكية والشافعية عن هذا الدليل: بأن هذا الرأي لا يقاوم النصوص، وإن كان المنصوص فيه ضعيف كما قال الحنفية، فقد عاضدته الروايات الأخرى، الواردة بهذا المعنى.

(5/145)


قوانين المعاملات في الإسلام
-واعلم أن الشريعة الإسلامية قد وضعت قوانين المعاملات، وفصلتها أحسن تفصيل، فوضعت نظماً للبيع، والشراء، والرهن، والاجارة، والشركة والشفعة، ووعضت قوانين للاقتصاد، والتجارة، والزراعة، والصناعة، ولم تترك شيئاً إلا وضعت له نظاماً مبنياً على مصلحة النوع الإنساني، وترقية حاله، ورفع الخصومات من بين الناس وتوطيد علائق الثقة فيما بينهم، ونزع العداوة والبغضاء من قلوبهم، وحفظ حقوق الضعفاء، ورفع الحيف عنهم، وقد أخذ المجتهدون من النصوص التي جاء بها الكتاب الكريم، أو السنة الصحيحة، ما فيه مصالح الناس، التي اقتضتها حادثات الأزمنة المختلفة، فكان للمسلمين أعظم ثروة فقهية يمكنهم أن يجعلوها اصلاً لكل قانون صالح ينتفع به المجتمع، وتقوم عليه دعائم العمران، وتسعد به الشعوب والأمم سعادة حقيقية، ومع هذا فإنها لم تضع عقوبات خاصة لمن خالف قوانين المعاملات المالية، بل تركت أمر هذه العقوبات للحاكم، ليضع لها ما يناسب كل زمان ومكان، وهذا هو باب التعزير، فقد جعلت الشريعة للحاكم سلطة يضع بها العقوبات التي تليق بمن يخالف أمر الشريعة، أو نهيها، بحسب اليئات والزمنة، وبحسب ما يترتب على مخالفتها
__________
فإذا ذهب محل القطع من غير سرقة، بأن كانت اليد اليمنى شلاء، ينتقل القطع إلى اليد اليسرى، وقيل إلى الرجل اليمنى.
الحنابلة - قالوا: في إحدى الروايات عنهم ان السارق لا يقطع في الثالثة موافقة لمذهب الحنفية، مراعاة لحرمة المؤمن وأن منزلته أعظم من المال وتخفيفاً من الشرع على عباده. وفي رواية أخرى عنهم: أن السارق تقطع يده اليسرى في المرة الثاثلة فإن عاد تقطع رجله اليمنى في المرة الرابعة موافقة منهم لمذهب المالكية والشافعية، لأنهم يراعون حرمة المال والتشديد على المنحرفين، السارقين، المفسدين في الأرض. وقال بعض العلماء: إن السارق في المرة الخامسة يقتل، حتى يكون عبرة لغيره ولا يحبس ويغرم، واحتجوا على مذهبهم بحديث خرجه النسائي عن الحارث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: (اقتله) قالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: (اقطعوا يده) 9 قال: ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى عطعت قوائمه كلها، ثم سرق أيضاً (الخامسة) فقال أبو بكر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: (اقتلوه) ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه، فيهم عبد الله بت الزبير، رضي الله عنه وكان يحب الامارة، فقال: (أمروني عليكم فأمروه عليهم، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه) وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسارق في الخامسة قال: (اقتلوه) فال جابر: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فرميناه في بئر ورمينا عليه الحجارة)
-

(5/146)


من الشر والفساد، ما عدا السرقة فإنها قد وضعت لها الحد الذي سمعته (1) .
__________
مايثبت به حد السرقة.
(1) اتفق الأئمة الربعة - على أن حد السرقة يثبت على السارق بشهادة رجلين شاهدين عدلين كشائر الحقوق، واتفقوا - على أنه يثبت أيضاً بإقرار الحر، واعترافه باقتراف الذني.
الحنفية، المالكية، والشافعية - قالوا: يثبت الحد، بإقرار البالغ مالعاقل ولو مرة واحدة، لأنه لا تهمة فيه، كسائر الحقوق التي تثبت بالإقرار مرة واحدة. فلا حاجة إلى الإقرار مرة ثانية كالقصاص، وحد القذف، والتنبيه في الشهادة منصوص عليه، فلا يقاس عليه الإقرار، ولأنه يفيد تقليل تهمة الكذب، ولا كذلك الإقرار، لأن المقر لا يتهم بالكذب على نفسه، واشترط الزيادة في الزنى على خلاف القياس، فيقتصر على مورد النص، على أن الإقرار الأول إما صادق فبالثاني لا يفيد شيئاً إذ لا يزداد صدقاً، وإما كاذب فبالثاني لا يصير صدقا"ً، فظهر أنه لا فائدة في تكراره.
الحنابلة، وأبو يوسف من الحنفية - قالوا: يثبت بلإقراره مرتين، والإقرار مرة واحدة لا يثبت الحد. واحتجوا بما روي عن أبي أمية المخزمي رض الله عنه أنه قال: أتي الرسول صولات الله وسلامه عليه بلص قد اعترف اعترافاً، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أخالك سرقت) قال: بلى يا رسول الله فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع، وجيء به فقال له: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم تب عليه ثلاثاً) أخرجه ا؛ مد والنسائي، وأبو داود واللفظ له، ورجله ثقات، ويجب على القاضي أن يلقن المقر الرجوع احتياطاً للدرء، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقال له: (أسرقت؟ مأخاله سرق) . وإذا رجع المقر عن إقراره صح في القطع، لأنه خالص حق الله تعالى فلا يكذب فيه، ولكن لا يصح الرجوع في المال، لأن صاحبه يكذبه، واشترطوا أن يكون الإقراران في مجلسين مختلفين لأنه إحدى الحجتين فيعتبر الأخرى وهي الينة. واسند الطحاوي إلى سيدنا علي كرم الله وجهه أن رجلاً أقر عنده بسرقة مرتين، فقال له: قد شهدت على نفسك شهادتينن فأمر أن تقطع يده، فعلقها في عنقه. وأما المعنى فإلحاق الإقرار بها، بالشهادة عليها في العدد، فيقال: حد فيعتبر عدد الإقرار به بعدد الشهود، نظيره إلحاق الإقرار في حد الزنا في العدد، بالشهادة فيه. فلو شهد على السارق رجل وامرأتان ثبت عليه المال، فيجب أن يرده أو قيمتهن ولكن لا يجب القطع لعيه لأن شهادة النساء لا تقبل في الحدود.
كيفية الشهادة
قالوا: وينبغي للإمام أن يسأل الشاهدين عند أداء الشهادة عن كيفية السرقة، أي كيف سرق

(5/147)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
لاحتمال كونه سرق على كيفية لا يقطع معها، كأن نقب الجدار وادخل يده فأخرج المتاع، فإنه لا يقطع على طاهر المذاهب الثلاثةن أو أخرج بعض النصاب، ثم عاد وأخرج البعض الآخر، أو ناول رفيقاً له على الباب، ويسألهما عن ماهيتها، لأنهاتطلق في اللغة على استراق السمع، والنقص من اركان الصلاةن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته) ويسألهما أيضاً عن رمانها، لاحتمال التقادم، وعند التقادم إذا شهدوا يضمن المال، ولكن لا يقطع عليهن ويسألهما، عن المكان، لاحتمال أنه سرق في دار الحرب من مسلم - بخلاف ما لو كان ثبوت السرقة بالإقرار، حيث لا يسأل القاضي الشخص المقر، عن الزمان، لأن التقادم لا يبطل الإقرار، ولا يسأل المقر عن المكان، لكن يسأله عن باي الشروط من الحرز وغيره. وذلك باتفاق العلماء. وقال بعضهم، ويسأل المقر عن الشيء المسروق (إذ سرقة كل مال لا توجب القطع، كما في التمر، والكرم وغيره، ولا حتمال كون المسروق أقل من النصاب - ويسأله أيضاً عن المسروق منه، لأن السرقة من بعض الناس، لاتوجب القطع، كذي الرحم المحرم، والعبد من سيده، والزوج من زوجته، والوالد من مال ولده. ولاحتمال ان يهبه المسروق أو يملكه فيسقط القطع.
وقال بعضهم: لا حادة إلى السؤال عن المسروق منه، لأنه حاضر في المجلس يخاصم المذنب ويطالب بعقوبته، والشهود حضور يشهدون على السرقة منه، فلا حاجة إلى السؤال عنه، ولأن شهادتهم بأنه سرق من هذا الحاضر، وخصومة الحاضر، لا يستلزم بيانها، النية من السارق، ولا رفع الدعوى تستلزم أن يقول: سرق مالي وأنا مولاه، وينبغي أن يسأل عن هذه الأمور احتياطاً للدرء وإذا بينوا ذلك على وجه لا يسقط الحد، فإن كان القاضي عرف الشهود بالعدالة قطعه، وإن لم يكن يعرف حالهم حبس المشهود عليه حتى يدلوا، لأنه صار متهماً بالسرقة، والتوثيق بالتكفيل ممتنع، لأنه لا كفالة في الحدود. وإذا عدل الشاهدان والمسروق منه حاضراً، والشاهدان غائبان، لم يقطع ايضاً حتى يحضرا، لاحتمال رجوعهما في الشهادة، أو رجوع احدهما في شهادته، وكذلك الموت، وهذا في كل الحدود سوى حد الرجم. وقد أفتى العلماء: بأنه إذا كان لص معروف بالسرقة، ووجده رجل في منزله، يذهب في حاجة له غير مشغول بالسرقة، ولا ملتبس بها، فليس له أن يقتله، ولكن له ان يقبض عليه، ويأخذه، وللإمام أن يحبسه حتى يتوب، لأنه متهم بالفساد في الأرض، (والحبس للزجر عن التهمة مشروع وجائز) .
خطأ الشهود
الحنفية، المالكية، والحنابلة - قالوا: إذا أخطأ الشاهدان في أداء الشهادة على السارق، وقطعت يده، ثم ظهر كذبهما، بأن اعترف رجل آخر بأنه هو الذي سرق، أو قامت البينة على غيره، أو

(5/148)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
اعترف الشاهدان بخطئهما في أداي الشهادة. فيجب على الإمام أن يغرمهما بدفع دية يد المقوع عقوبة لهما على خطئهما في أداء الشهادة عليه، أما إذا قال الشاهدان: إننا تعمدنا اداء الشهادة عليه نكاية به، فإنه يجب عليهما في هذه الحالة دفع دية يد المقطوع، ولا يجوز أن يقطع يديهما، بيد واحدة لنه جور وظلم. الشافعية - قالوا: إذا شهد رجلان على آخر بأنه سرق متاعاً من حرز قيمته نصاب، ثم تبين كذبهما، بعد قطع يده، فيقررهما الإمام، فإن قالا: أخطأنا في الشهادة عليه، فإنه يغرمهما دية يد المقطوع. وإن قالا: تعمدنا أن نشهد عليه بباطل، قطعت يداهما بيده قصاصاً له. وهذه أشبه بالقياس، لأنه إن كان يجوز أن يقتل اثنان بواحد، فلم لا تقطع يدان بيد؟ واليد أقل من النفس، وإذا جاز القليل فلم لا يجوز الكثير؟ واحتجوا على مذهبهم بما روي عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه، عن الشعبي. (أن رجلين أتيا الإمام علياً كرم الله وجهه فشهدا على رجل أنه سرق، فقطع الإمام يده، ثم أتياه بآخر فقالا: هذا الذي سرق، وأخطأنا على الول، فلم يجز شهادتهما على الآخر، وغرمهما دية يد الول، وقال لهما: لو أعلمكما تعمدتما، لقطعتكما) فهذا نص في الباب. وإذا شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة، فإنه يضمن المال، ولا يقطع يده. وإذا أقر الرجل على نفسه بالسرقة أمام الحاكم ثم رجع في إقراره، فإنه يلزمه غرامة المال الذي أقر به ولا قطع عليه - ولا عكس - حتى لو قال المسروق منه، أريد قطع يده ولا أريد المال، لا تسمع خصومته، فإنما يصح حق القطع تبعاً للمال، وقد انتفى المال، فانتفى القطع.
خطأ الحداد
الحنفية والحنابلة - قالوا: إذا قال الحاكم للحداد - الذي يقيم الحد - اقطع يمين هذا في سرقة سرقها، فقطع يساره خطأ، أو عمداً، فلا شيء عليه، ولكن يعزره الإمام، لأنه اخطأ في اجتهاده، وخطأ المجتهد موضوع بالإجماع، وهذا موضع اجتهاد لأن ظاهر النص يسوي بين اليمين واليسار، ولأنه وإن أتلف بلا حق ظلماً، لكنه أخلف من جنسه ما هو خير له، وهو اليد اليمنى، فإنها لا تقطع بعد قطع اليسرى، وهي خير لأن قوة البطش بها أتم، والعمل بها أكثر، فلا يضمن شيئاً، وعلى هذا، لو قطع اليد غير الحدتد لا يضمن أيضاًن عمداً، أو خطأ، لن اليمين كانت على شرف الزوال، فكانت كالفائتة فأخلفها إلى خلف استمرارها، وبقائها. الصاحبان من الحنفية - قالا: إذا أخطأ الحداد، وقط اليد اليسرى، بعد أن أمره الحاكم بقطع اليمنى، فلا ضمان عليه في حالة الخطأ. أما إذا كان متعمداً، فإنه يجب عليه أن يضمن أرش اليد اليسرى.

(5/149)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الشافعية، والمالكية، - قالوا: إذا كان الحداد أخطأ فلا شيء عليه، أما إذا كان فعل هذا الفعلن وعطع اليسرى بعد أن امره الحاكم بقطع اليمنى فإنه يجب عليه القصاص، وتقطع يده اليسرى، وذلك قياساً على ما إذا قطع رجل يد السارق، بعد الشهادة قبل القضاء بالقطع في انتظار التعديل، ثم عدلت، فلا تقطع على السارق لفوات محله، وبحيث أن المسروق، لو كان أتلفه، لن سقوط الضمان باستيفاء القطع حقاً لله تعالى، ولم يوجد، وكذا لو قطع يده اليسري يقتص له، ويسقط عنه قطع اليمنى.
والخطأ في الاجتمها معناه أن يقطع اليسرى بعد قول الحاكم: اقطع يمينه، عن اجتهاد في أن قطعها يجزىء عن قطع السرقة، نظراً إلى إطلاق النصن وهو قوله تعالى {فاقطعوا أيديهما} أما الخطأ في معرفة اليمين من الشمال فلا يجعل عفواً، لآنه بعيد يتهم فيه مجعيه، وعلى هذا فالقطع في الموضعين عمد، وإنما يكون معنى العمد حينئذ أن يتعمد القطع لليسار، لا عن اجتهادفي اجزائها. أما إذا قال الحاكم للحداد: اقطع يد هذا، ولم ينص على اليمنى - فقطع اليسار فلا يضمن اتفاقاً وإذا قطع رجل يسار السارق، بعد حكم القاضي بقطع يمينه، من غير إذن الإمام في قطعها فإذا كان متعمداً وجب عليه القصاص، فتقطع يده، وفي الخطأ الدية بالاتفاق وسقط القطع عن اليمنى.
إذا سرق رجل من السارق
الحنفية، والحنابلة، والشافعية في قول - قالوا: إن قطع سارق بسرقة، ثم سرقت منه، لم يكن له ولا لرب المال أن يقطع السارق الثاني، لن المال لما لم يجب على السارق ضمانه كان ساقط التقوم في حقه، وكذا في حق المالك، لعدم وجوب الضمان له، فيد السارق الول ليست يد ضمان، ولايد أمانة، ولا يد ملك، فكان المسروق مالاً غير معصوم، فلا تقطع فيه، وأصبح كأنه مال ضائع، ولا قطع في أخذ مال ضائع، وإذا ظهر هذا الحال عند القاضي فإنه لا يرد الحال إلى الأول، ولا إلى الثاني إذا رجه، لظهر خيانة كل منهما، بل يرجه من يد السارق الاثني إلى المالك إن كان حاضراً، وإلا حفظه في بيت المال، كما يحفظ أموال الغيب. المالكية والشافعية في قول آخر - قالوا: تقطع يد السارق الثاني بخصومة المالك، لأنه سرق نصاباً محرزاً من حرز لا شبهة فيه، فيقطع بخصومة الول، لأن سقوط التقوم ضرورة القطع، ولم يوجد، فصارت يده كيد الغاصب.
الحنفية - قالوا: إذا قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبها له المالك، وسلمها إليه أو باعها منه، فلا يقطع.
الشافعية، المالكية، والحنابلة - قالوا: يقطع في هذه الحالة، لأن السرقة قد تمت انعقاداً بفعلها بلا شبهة وظهوراً عند الحاكم، وقضي عليه بالقطع، ولا شبهة في السرقة فيقطع، واحتجوا

(5/150)


عناية الشريعة بالسرقة دون غيرها
-ولقائل أن يقول: لماذا عنيت الشريعة الإسلامية بالسرقة دون غيرها من الأنواع المؤذية للمجتمع، فتركت الغاصب، والمختلس، والخائن، كما تركت الذي ينفق أمواله في الشهوات الضارة المفسدة، أو في إيذاء المجتمع، أو نحو ذلك؟ والجواب: أن الذي جاءت به الشريعة الإسلامية من ذلك هو تقدير العزيز الحكيم، وهو غين الحكمة والصواب. بيان ذلك: أن السرقة هي أخذ مال الغير خفية من حرز (أي محل محفوظ فيه) (1) ولا ريب أن الذي يقدم على هذا الفعل خطره يطرد في كل زمان، ومكان، لأنه لا يبالي في سبيل الوصول إلى غرضه بارتكاب اية جريمة يتوفق عليها الحصول على ما يرج، فهو ينقض الدرا، ويكسر القفل، ولا يتأخر عن قتل من يقف في سبيله، أو التمثيل به، فهو مهدد للناس في حياتهم واموالهم، واعراضهم، فإذا لم يضرب على يد السارق من أول الأمر وذا لم تشدد عليه العقوبة، كان شره عظيماً، وخطره تشديداً، وقد عرفتنا الحوادث أن السارقين، قد قتلوا أنفساً كثيرة في سبيل وصولهم إلى سرقة المال، واعتدوا على أعراض كثيرة.
__________
بما ورد في حديث صفوان أنه قال: يا رسول الله لم أرد هذا، ردائي عليه صدقة فقال عليه الصلاة والسلام: (فهلا قبل أن تأتيني به) رواه أبو داود، وأبن ماجة، زاد النسائي في رواية: (فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم))
-
(1) (صفة الحرز: الحنفية - قالوا: إن صفة الحرز الذي يقطع من سرق منه، هو أن يكون حرزاً لشيء من الأموال، فكل ما كان حرزاً لشيء منها، كان حرزاً لجميعها، ثم حرز كل شيء على حسب ما يليق به، قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا آواه الجرين (موضع التمر اليذي يجفف فيه) - يعني اليدر - ففيه القطع) وقال صلوات الله وسلامه عليه: (لا قطع في حريسة (أي المحروسة به، فليس بالجبل إذا سرق قطع لأنه ليس بحرز، وقيل الحريسة: الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها) الجبل، وما آواه المراح (هو المكان الذي تأوي إليه الماشية ليلاً للمبيت فيه) ففيه القطع) . والحرز ما يكون به المال محروزاً من أيدي اللصوص ويكون بالحافظ كمن جلس بالصحراء، أو في المسجد، أو في الطريق العام وعنده متاعه، فهو محرز به، وسواء كان نائماً، أو مستيقظاً وذلك لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قطع سارق رداء (صفوان) مت تحت رأسه، وهو نائم في المسجد

(5/151)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وسواء كان المتاع تحته، أو عنده، لأنه يعد حافظاً له في ذلك كله عرفاً، فيقطع من يسرق، ماله، أو متاعه. والحرز بالمكان: هو ما أعد للحفظ، كالدور، والبيوت، والحانوت، والصندوق، فهي حرز لما فيها غاب صاحبها أو حضر فلا يعتبر فيه الحافظ، لأنه محرز بدونته، وهو المكان الذي اعد للحفظ، إلا أن القطع لا يجب من الأخذ بالحرز بالمكان، إلا بالإخراج منه، لأنن يد المالك قائمة ما لم يخرجه السارق، والمحرز بالحافظ يجب القطع لما أخذه، لان يد المالك زالت بمجرد الأخذ، فتمت السرقة، ولو كان باب الدار مفتوحاً فدخل نهاراً، واخذ متاعاً، لم يقطع لآنه مكابرة، وليس بسرقة لعدم الاستسرار على ما بينا.
ولو دخل ليلاً قطع لأنه مكان بني للحرز ولو خل بين المغرب والعشاء، والناس منتشرون فهو بمنزلة النهار، ولو علم صاحب الدار باللص، واللص لا يعلم، أو بالعكس قطع لأنه مستخف، وان علم كل واحد منهما بلآخر لا يقطع السارق لأنه مكابرة. وإذا سرق من الحمام ليلاً قطع، وبالنهار لا يقطع لأنه مأذون بالدخول، وهو الدواب حرز لما حملت، وافنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موفق البيع، وغن لم يكن هناك حانوت، كان معه أهله، ام لا، سرقت ليلاً، أو نهاراً، وكذلك موفق عربات الباعة المتجولين في السواق، وموفق الشاة في اسوق مربوطة، أو غير مربوطة حرز، والدواب على مرابطها في الحقول والخلاء محرزة، كان معها اصحابها أم لا فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ، ومن ربطها بفنائه، أو اتخذ موضعاً مربطاً لدوابه، فإنه حرز لها، ولو سرق لؤلؤة من الاصطبل لم يقطع، لأنه ليس حرزاً لها، والسفينة حرز لما فيها، سواء كانت سائبة أو مربوطة، فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة، إن كان معها احد حيثما كانت فهي حرز كالدابة بباب المسجد معها حافظ، ولوسرق ثوباً على شاة لم يقطع لان الشاة لا تحرز إلا أن ينزلوا لها، كان صاحبها معها ام لا.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، - قالوا: (إن الحرز يختلف باختلاف الامال المحفوظة فيه وقيمتها، والعرف معتبر في ذلك، لأنه لا ضابط له لغة ولا شرعاً، وهو يختلف باختلاف المال ونوعه وثمنه، ويختلف باختلاف البلاد، ويكون بحسب عدل السلطان وجوره، وما كان كذلك فمرجعه العرف والعادة، فالدور والحوانيت حرز، ومرابط الدواب حرز لها، وكذلك الأوعية، وما على ظهور الدواب، والسيارات، تكون حرزاً لما فيها، وما على الإنسان من الملابس، فالإنسان حرز لكل ما عليه، أو هو عنده، نائماً أو مستيقظاً ولا يقطع سارق ما على الصبي من الحلي وغيره، إلا أن يكون معه حافظ يحفظه، كما في الدواب وغيرها.
السرقة في المدن الجامعية والفنادق: اتفق الأئمة؛ على أن الساكنين في دار واحدة - كالعمارات، والفنادق، والمدن الجامعية، وأروقة المساكن، التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة وعليه باب يغلق، يقطع من سرق منهم من بيت

(5/152)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
صاحبه إذا أخذه، وخرج بسرقته إلى قاعة الدار، وغن لم يدخل بها بيته، ولا خرج بها من الدار، لأن الإخراج إلى صحن الدار كالإخراج إلى السكة العمومية، واتفقوا: على أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئاً، وإن أدخله في بيته، أو أخرجه من الدار، لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء كالطريق العام إلا أن تكون دابة في مربطها، أو مايشبهها من المتاع: كالدراجة وغيرها. واتفق الأئمة الأربعة: على أن باب البيت وغلقه حرز، وحرز الثياب، والنقود، والجواهر، الصناديق المقفلة، وحرز الأمتعة للبياعين، الدكاكين المقفلة عليها، وبوجود حارس لها ليلاً، وحرز الدواب الثمينة الإصطبل، وحرز الأواني، والأوعية، وثياب البذلة، مدخل البيت وعرضه، واختلفوا في الدار المشتركة بينهم. المالكية والفقهاء - قالوا: تقطع يد السارق من الدرا المشتركة بينهم في السكن إذا اخرج المتاع من الحجرة التي هو فيها لأنه حرز له. الصاحبان من الحنيفة - قالوا: لا قطع عليه إلا إذا اخرج المال من الدار، لأنه مأذون له في دخولها ولن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد، فلا بد من الإخراج.
سرقة الحوانيت: الشافعية - قالوا: لو ضم العطار، أو البقال ونحوه المتهة وربطها بحبل على باب الحانوت للعرض. أو ارخى عليها شبكة أو خالف لوحين على باب حانوته، كانت محرزة بذلك في النهار، لأن الجيران والمارة ينظرونها، وفيما فعل ما ينبهم إذا قصدها السارقن فإن لم يفعل شيئاً من ذلك وترك البضاعة مهملة، أو ترك الباب مفتوحاً، فلا تقطع يد السارق لأنها ليس محرزة. وأما في الليل فمحرزة لذلك لكن مع وجود الحارس، ولا يقطع فيما إذا ترك ثقباً بالحانوت يدخل منه السارق يده، وليس له حارس، والبقل ونحوه كالفجل والكرات، والجرجير، إن ضم بعضه إلى بعض، وترك على باب الحانوت، وطرح عليه حصير أو نحوها فهو حرز بحارس. والأمتعة النفيسة التي تترك على الحوانيت في ايام العياد ونحوها، لتزيين الحانوت وتستر بنطع ونحوه، وكذلك لمبات الكهرباء التي على أبواب الحوانيت والمنازل ليالي الأفراح تكون محرزة بحارس، ولأن أهل السوق يعتادون ذلك فيقوى بعضهم ببعض، بخلاف سائر الليالين والثياب الموضوعة على باب حانوت القصار للعرض، كأمتعة العطار الموضوعة على باب حانوته كما مر. والحانوت المغلق بباب وقفل، بلا حارس حرز لمتاع البقال، وذهب الجواهرجي وفضته، وساعات التاجر، وغيرها من الأمتعة الثمينة التي توضع في بترينة الحوانيت بقصد البيع، ليلاً ونهاراً، ولو بلا حارس في زمن المن، بخلاف الحانوت المفتوح المأذون في دخوله للعامة، لا يقطع في سرقته، وكذلك المغلق زمن الفتنة والخوف، والأرض حرز للبذور، والزرع للعادة وقيل: ليست حرزاً إلا بحارس.

(5/153)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
والتحويط بسور بلا حارس لا يحرز الثمار، وإن كانت على الأشجار إلا ان اتصلت بجيران يراقبونها، أما اشجار أفينة الدور فهي محرزة بلا حارس، بخلافها في البرية.
والثلج في الثلجة، والجمدة في المجمدة، والتين في المتين، والحنطة في المطامير، والفول المطمور في باطن الرض، كل منها في الصحراء غير محرز، إلا بحارس. وأبواب الدور، والبيوت التي فيها، والحوانيت بما عليها من مغاليق، وحلق، ومسامير، محرزة بتركيبها ولو كانت مفتوحة. أو لم يكن في الدور والحوانيت أحد يحرسها، ومثلها سقوف الدرا والرخاف، والاصطبل - حرز لما به من الدواب الثمينة وغيرها إن كانت متصلة باور والمنازل، اما إذا كانت موجودة في الصحراء بعيداً عن العمران، فلا تكون حرزاً إلا بوجود حارس قوي عليها يلاحظها.
سرقة ما يسرع إليه الفساد: الحنفية - قالوا: لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد، كاللبن، واللحم، والفواكه الرطبة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (قطع فيما يتسارع في ثمر، ولا كثر) والكثر الجمار (الكثر - الجمار - وهو شجر النخل، وهو شيء أبيض يقطع من رؤوس النخل، ويؤكل) ، وقيل: الودي (الودي - صغار النخل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في الطعام) والمراد به - والله أعلم - ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه، مثل الخبز، واللحم، والتمر، والفواكه الرطبة، لأنه يقطع في سرقة الحنطة، والسكر بالإجماع، إذا لم يكن العام عام مجاعة، وقحط، اما إذا كان كذلك فلا قطع سواء كان مما يتسارع إليه الفساد، أو لا. ووجهتهم الاحتياط في قطع عضو المسلم. والشافعية والمالكية، والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية - قالوا: يجب القطع فيما يسرع فساده، إذا بلغ المسروق الحد الذي يقطع في مثله بالقيمة، للأحتياط في إبراء الذمة من حقوق العباد، ولأنه مال متقوم عند الجميع، واحتجوا على مذهبهم بما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه سئل عن التمر المعلق فقال: (من أصاب بقية من ذي حاجة غير متخذ خبنة (الخبنة - ما تحمله في حضنك) فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع) أخرجه أبو داود والنسائي.
وفي رواية ان رجلاً من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة، التي تؤخذ من مراتعها، فقال: (فيها ثمنها مرتين، وضرب، ونكال، ومال أخذ من اجرانه ففيه القطع) رواه أحمد، والنسائي، وفي لفظ: (ما ترى في التمر المعلق فقال: ليس في شيء من التمر المعلق قطع إلا ما آواه الجرين، فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه، وجلدات،

(5/154)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ونكال رواه الحاكم بهذا المتن والجرين: هو الموضع الذي يلقى فيه الرطب ليجف، وجمعه جرن يقتضي أنه يكون فيه الرطب في زمان وهو اول وضعه، واليابس وهو الكائن في آخر حاله فيه، وما روي (ان سارقاً سرق اتوجة في زمان عثمان بن عفان فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت بثلاث دراهم فقطع عثمان يده) . والجواب: أنه معارض بإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في ثمر، ولا كثر) وقوله: (لا قطع في الطعام) وبما روي أن غلام سرق ودياً من حائط، فرفع إلى مراوان، فأمر بقطعه. فقال رافع بن خديج: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قطع في ثمر، ولا كثر) وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول. فقد تعارضا في الرطب الموضوع في الجرين، وفي مثله من الحدود يجب تقديم ما يمنع الحدود، درأ للحد، ولأن ما تقدم متروك الظاهر، فإنه لا يضمن المسروق بمثلي قيمته، وإن نقل عن الإمام أحمد، فقلماء المة على خلافه، لأنه لا يبلغ قوة ثبوت كتاب الله تعالى' وهو قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فلا يصح عنه عليه الصلاة والسلام ذلك. وقد روي عن عبد بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل) (والحريسة قيل: هي التي ترعى وعليها حرس، وقيل هي السيارة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها)
الحنفية - قالوا: لا قطع فيما يوجد تافهاً مباحاً في دار الاسلام كالخشب، والحشيش، والقصي، والسمك، والطير، والصيد، لما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه) أي الحقير، وما يوجد جنسه مباحاً في الأصل بصورته، غير مرغوب فيه حقير، تقل الرغبات فيه، والطباع لا تضن به إذا أحرز حتى إنه قلما يوجد اخذه على كره من المالك، ولا ينسب إلى الخيانة، على أن الضنه بها تعد من الخساسة، وما هو كذلك لا يحتاج إلى شرع الزواجر فيه، ولأن الحرز ناقص يهذه الأشياء، فالطير من شأنه أن يطير، وبذلك تقل الرغبات فيه، وكذلك وجود الشركة العامة التي كانت في الصيد قبل الإحراز بقول صلى الله عليه وسلم: (الصيد لمن أخذه) وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (الناس شركاء في ثلاثة في الكلأ، والماء والنار) فهذه الشركة تورث شبهة بعد الإحراز فيمتنع القطع، والحدود تدرأ بالشبهات، ويدخل في السمك، المالح، والطري، ويدخل في الطير جميع أنواعه، والدجاج، البط، والحمام، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في الطير) . والشافعية، والمالكية، والحنابلة، وأبو يوسف من الحنفية - قالوا: يجب القطع في كل شيء أحرز وبلغ النصاب إلا في الماء، والتراب، والطين، والحصى، والمعازف، والنبيذ، وما سوى هذه أموال متقومة محرزة، فصارت كغيرها، والإباحة الأصلية قد زالت، وزال أثرها بالإحراز بعد التملك،

(5/155)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ولعموم الأدلة من الكتاب والسنة، ولا أثر لكونها مباحة الأصل، وكذلك التبن والحطب وغيرها من الأشياء التي يباح أصلها متى أحرزت.
سرقة التمر المعلق على الشجر
الشافعية والحنفية - قالوا: لا قطع في أكل الفاكهة على الشجر، والزرع الذي لم يحصد لعدم الإحراز، ولا الجمار، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في ثمر، ولا كثر) قال محمد: الثمر ما كان على رؤوس النخل، والكثر: الجمار. وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لا أقطع في الطعام) وذكره عبد الحق، ولم يعد بغير الإرسال وهو ليس بعلة عندهم.
المالكية - قالوا: يجب القطع في الفاكهة المعلقة على الشجر إذا كان له حرز لما روي أن سيدنا عثمان بن عفان قطع من سرق ثمرة (أترجة) ووافقه الصحابة على ذلك ولآنه مال متقوم، وكذلك الثمر الرطب إذا كان محرزاً، مراعان لحرمة المال.
الحنابلة - قالوا: يجب أن يقوم قيمته مرتين - والأئمة الثلاثة قالوا: يجب على السارق قيمة الثمار فقط. الشافعية - قالوا: لا يقطع في الثمر الرطب إذا كان غير محرز اما إذا كان الثمر في بيت أو في حرز فإنه يقطع فيه.
سرقة الإشربة المحرمة
اتفق الأئمة بأنه لا يجب القطع في سرقة الأشربة المسكرة مثل الخمر والأنبذة والخل وغيرها، ولأن السارق يتأول في تناولها قصد الاراقة، ولأن بعضها ليس بمال مقوم فتتحقق شبهة عدم المالية، فلا يقطع، ولا يقطع في سرقة مال غير محترم مثل الخنزير، وجلد الميتة قبل دبغها، وآلات الطرب ولو كانت لمشرك ولو بلغ ثمنها نصاباً، وبعد كسرها، وكذلك لا يقطع فيها، وأما بعد ذبحها فلا قطع لخروجها لله بالزبح، ولو سرق قدر نصاب من لحمها أو جلدها الذي ملكه الفقير بصدقة أو هبة، فإنه يقطع فيه.
الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: من سرق الخمر أو الخنزير لا يغرم بقيمتها لنها ليست بمال وإن كانت ملكاً لكافر، أو مسلم لأن مسلم لأن العلماء اختلفوا في تقومه، ولأن السارق يحمل حاله على أنه يتأول فيها الإراقة، فتثبت شبهة الإباحة بإزالة المنكر، ولأنه مما لا يتمول. المالكية - قالوا: إذا سرق الخمر أو الخنزير، إن كان مالكها ذمياً فإن السارق يغرم بدفع قيمتها إليه، أو ورد عينها إن كانت قائمة، لأنه مال متقوم عندهم وأما إن كانت لمسلم فلا.

(5/156)


مبحث أحكام غير السارق
-غير السارق كالخائن والغصب، وغيرهما فإنه يقابل رب المال وجهاً لوجه، غايته أنه خدعه، أو عشه، أو أخذ منه المال بقوته على مرأى من الناس، وكل هؤلاء يمكن اتقاء شرهم، والضرب على ايديهم قبل ان يستفحل امرهم، فهذا ترك الشارع أمر تأديبهم للحاكم، كي يعزرهم، بما يراه زاجراً لهم بحسب ما يناسب البيئة، ويتفق مع نظام الأمن العام.
__________
المالكية، والشافعية، والحنابلة، - قالوا: إن سرق آلات الطرب، فلا قطع عليه ولا غرامة سواء كانت ملكاً، لمسلم، أو غير مسلم، لأنها غير متمولة ومنهي عن حيازتها واستعمالها. الحنفية - قالوا: إن آلات الطرب لا يضمن قيمتها إن كانت تستعمل للهو، اما إذا كانت هذه الآلات والمعازف لا تستعمل في اللهو، فإنه يضمن قيمتها لصاحبها، لأنه يجوز استعمال أصله، وقال بعضهم: إن كان مما يجوز اتخاذ اصله وبيعه، فصنع منه ما لا يجوز استعماله كالطنبور، والملاهي، والعود والمزمار وماشبهه من آلات الطرب واللهو، فينظر فيها، فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها، وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر يقطع السارق، وكذلك الحكم في أواني الذهب، والفضة، التي لا يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها، فإنما يقوم ما فيها منذهب، أو فضة دون صنعة، وكذلك سرقة الصليب من ذهب أو فضة، والزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصاباً قطع فيه، وإلا فلا، وكذلك حكم سرقة النرد، والشطرنج، وآلات الميسر المحرمة.
سرقة المصاحف وكتب العلم والأدب:
الحنفية - قالوا: إذا سرق المصحف لا يقطع فيه وإن كانت قيمته تبلغ نصاباً، وإن كان محلى بالذهب لأنه يتأول فيه القراءة، ولأن الإحراز لأجل المتكتوب ولا مالية له، وما وراءه تبع له كالجلد والورق والحلية. ولا عبرة للتبع - لأن الأصل أنه متى اجتمع ما يجب فيه القطه، وما لا يجب لا يقطه، لأنه اجتمع فيه دليلاً القطع وعدمه فأورث شبهة، وكذلك لا يقطع في سرقة كتب العلم والدين لنه يتأول قراءتها، لن المقصود منها ما فيها من العلم وهو ليس بمال، ولو سرق الجلد، والورق قبل الكتابة قطع لأنه سلعة مقومة بمال. واما كتب الشعر والأدب، ودفاتر الحساب، فإن كان ما فيها من الجلد والكواغد تبلغ نصاباً قبل الكتابة قطع وإلا فلا. الشافعية - قالوا: يقطع سارق المصحف، وكتب العلم الشرعي وما يتعلق به، لأنه مال متقوم حتى يجوز بيعه وتجارته، وحيازته، وكذلك كتب الأدب والشعر النافع، فإن لم يكن نافعاً مباحاً، قوم الورق والجلد، فإن بلغا نصاباً قطع، وإلا فلا، وبه قال أبو ثور، وأبن القاسم، وأبن المنذر، لأنه مال له اعتبار.

(5/157)


على أن الحوادث التي من هذا القبيل قد يتفاوت سببها، وقد تكون عظيمة وحقيرة، فيجب أن يترك تقدير عقوبتها للحاكم، ليقدر لها مل يناسبها، بخلاف السرقة، فإنها جناية ترتكب في الخفاء، وآثارها المترتبة عليها لا تختلف غالباً، فهي تهدد الناس في كل زمان، ومكان.
__________
وقال أبو يوسف من الحنفية: إذا كان المصحف محلى بذهب وبلغت الحلية نصاباً، فإنه يقطع لآنها ليست من المصحف.
هل يقطع النباش: وقد اختلف الأئمة في قبر الميت أهو حرز للكفن ام لا؟. الحنفية - قالوا: إن القبر ليس بحرز لغير الكفن، فلا يكون حرزاً لكفن، فلا يقطع النباش، لأن السارق أخذ مالاً من غير حرز، معرضاً للتلف، لا مالك له، لأن الميت لا يملك، وهو قول أبن عباسن والثوري، والأوزاعي، ومكحول، والزهري، وذللك لأن القبر حفرة في الصحراء مأذون للعموم في المرور به ليلاً ونهاراً، ولا غلق عليه، ولا حارس متصد لحفظه، فلم يبق إلا مجرد دعوى أنه حرز تسمية ادعائية بلا معنى، وهو ممنوع، ولزوم التضييع لو لم يكن حرزاً ممنوع، بل لو لم يكن مصروفاً إلى حاجة الميت. والصرف إلى الحاجة ليس تضييعاً فلذا لا يضمن، ولو سلم فلا ينزل عن ان يكون في حرزيته شبهة، وبه ينتفي القطع، ويبقى ثبوت الشبهة في كونه مملوكاً، وفي ثبوت الخلل في المقصود منشرعية الحد، فكل منهما يوجب الدرء، أما الأول فلأن الكفن غير مملوك لأحد، لاللميت، ولذا يقطع بسرقة التركة المستغرقة، لنها ملك للغريم، حت كان له أن يأخذها بحقه، فإن صح ما قلنا: من أه لا ملك فيه لحد لم يقطع، وإلا فتحققت شبهة في مملوكيته بقولنا، فلا يقطع به أيضاً، وأما الاستدلال بتسميته بيتاً فابعد، لأن إطلاقه إما مجازاً، فإن البيت ما يحوطه أربع حوائط توضع للبيت، وليس للغبر كذلك، على أن حقيقة البيت لا يستلزم الحرز، فقد بصدق مع عدم الحرز أصلاً كالمسجد. والشافعية، المالكية، والحنابلة، والإمام أبو يوسف - قالوا: يجب القطع على الذي يسرق أكفان الموتى، وهو مذهب عمر، وأبن مسعود، وعائشة رضي الله تعالى عنهم ومنالعلماء أبو ثور، والحسن، والشعبي، وقتادة، وحماد، والنخعي.
ثم قالوا: إن الكفن الذي يقطع به ماكان مشروعاً، فلا يقطع في الزائد على كفن السنة، وكذا ما ترك معه من طيب أو مال، أو ذهب، وغيره لأنه تضييع وسفه فليس محرزاً. واحتجوا على مذهبهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نبش قطعناه) وهو حديث منكر وإنما أخرجه البيهقي.

(5/158)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (لا قطع على المختيفي) قال: وهو النباش بلغة أهل المدينة، أي بعرفهم. وأما الآثار، فقال أبن المنذر: روي عن أبن الزبير أنه قطع نباشاً، وهو ضعيف. وما روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أنه وجد قوماً يختفون القبور باليمن على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب فيهم إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر أن اقطع ايديهم. وما روي عن الزهري أنه قال: أتي مروان بقوم يختفون - أي ينبشون القبور - فضربهم، ونفاهم، والصحابة متوافرون رضوان الله عليهم. وما روي عن الزهري أيضاً قال: أخذ نباش في زمن معاوية، وكان مروان على المدينة، فسأل من بحضرته من الصحابة، والفقهاء، فأجمع رأيهم على أن يضرب، ويطاف. وام من جهة المعنى فلأن الكفن مال متقوم محرز يحرز مثله، فإن القبر حرز للميت، وثيابه تبع له، فيكون حرزاً له أيضاً، فيقطع من يسرقه، ولأنه لا يجوز ترك الميت عارياً، فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حرز. وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم القبر بيتاً في حديث أبي ذر حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف أنت إذا أصاب الناس موت، يكون الموت فيه بالوصيف - يعني القبر - قلت: الله ورسوله أعلم، أو ما خار الله لي ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: عليك بالصبر) .
وقد بوب أبو داود عليه قال: باب قطع النباش، قال أبن المنذر: واستدل به أبو داود لأنه سمى القبر بيتاً، والبيت حرز، والسارق من الحرز يقطع بلا خلاف، ولأنه حرز مثله، لأن حرز كل شيء ما يليق به، فحرز الدواب بالإصطبل، وحرز الدرة بالحق والصندوق، والخزينة، والشاة بالحظيرة، فلا يقطع، فكان أخذا الكفن من القبر عين السرقة، ولأن الله تعالى جعل الأرض للإنسان ليسكن فيها حياً، ويدفن فيها ميتاً، وهذا إذا كان القبر في صحراء، أما إذا كان القبر داخل بيت عليه باب مفاق كما هو الحال في أموات القاهرة، وأن كل أسرة تختص بمكان متسع مبني يقال له: (حوش) وبداخله قبور الموتى، ويغلق عليهم، فقال بعض العلماء: يقطع السارق لأكفان الموتى من دار هذا المبنى، لوجود الحرز وهو الباب والغلق. الحنفية - قالوا: لا يقطع ايضاً في هذه الحال، وإن كان الحرز موجوداً، للموانع الأخرى، من نقصان المالية، وعدم الملوكية، ولأن المال ما يجري فيه الرغبة والضنة به، والكفن ينغر عنه كل من علم أنه كفن به ميت، إلا نادراً من الناس، ولن شرع الحد للأنزجار، والحاجة إليه، لما يكثر وجوده، فأما ما يندر فلا يشرع فيه، وكذلك الخلاف، إذا سرق من تابوت في القافلة، وفيه الميت.

(5/159)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الحنفية - قالوا: لو اعتاد لص سرقة أكفان الموتى، فللإمام أن يقطعه سياسة لا حداً، وهو محمول على ما رووه من الأحاديث والآثار، إن صحت. اتفق الأئمة على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع من المال. فإذا جمع الثايب في البيت ثم ضبط قبل أن يحملها، فلا قطع عليه، وكذلك إذا شعر به أهل الدار فترك المتاع بعد حزمه، وهرب، ثم ضبط خارح الدار ولم يكن معه مسروقان، فلا قطع عليه لأن الدار كلها حرز واحد ولكن للحاكم أن يعزره في هذه الحال بما يراه، من السجن، والغرامة، والضرب، وغير ذلك.
إذا سرق مسلم من مستأمن
الحنفية - قالوا: لو سرق مسلم نصاباً من مال مستأمن فلا يجب على السارق القطع، لأن هذا المال في الأصل ملك للحربي، ومال الحربي غنيمة لا يقطع بسرقته. الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: إذا سرق مسلم مقدار نصاب من مال ملك لرجل مستأمن يجب القطع على السارق، لأنه مال محرز مملكوك للمستأمن، فتجري عليه أحكام أهل الذمة، وأهل الإسلام ما دام في بلادنا.
إذا سرق مستأمن أو معاهد
المالكية، والحنابلة - قالوا: إذا سرق مستأمن، أو معاهد من مال مسلم أو ذمي وجب عليهما القطع. الحنفية - قالوا: أنه لا يجب القطع عليهما، فإنه ربما يكون لنا أسرى في بلاد الحرب عند الأعداء، فينتقمون منهم بسبب قطعنا للمعاهد، والمستأمن، فيترك القطع مراعاة للمصلحة العامة، ولن شريعة الإسلام لا تطبق عليهم. الشافعية - قالوا: إذا سرق معاهد، أو مستأمن مال مسلم أو ذمي أو معاهد، فأرجح الأقوال: ان شرط عليه في عهده قطعه بالسرقة، يجب القطع لا لتزامه، وإلا فلا يقطع لعدم التزامه. وقالوا: إن الأظهر عند الجمهور، أنه لا يجب القطع عليهما بالسرقة.
إذا سرق مسلم مال ذمي
الأئمة رحمهم الله قالوا: يقطع المسلم إذا سرق من مال ذمي على المشهور لأنه معصوم بذمته، وقيل: لا يقطع كما أنه لا يقتله. وأما الذمي، فأنه يقطع إذا سرق نصاباً من مال مسلم، أو مال ذمي مثله، لا لتزامه الأحكام الإسلامية، سواء أرضي بحكمنا، أم لا، لن الدين أمرنا بذلك. واتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه - لا يجب القطع على الفقير الذي سرق طعاماً من مسلم

(5/160)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أو ذمي، وذلك في زمن القحط والبؤس وانتشار الغلاء، لأنه عذر يمنع القطع، ولا يقطع صبي، ولا مجنونن ولا مكره - إذا سرق واحد منهم مقدار نصاب من حرز لرفع القلم عنهم، ولا على حربي لعدم التزامه بأحكامنا، ولا على أعجمي جهل التحريم.
سرقة آلات اللهو
الحنفية، والمالكية قالوا: لا يجب القطع على من سرق صليباً من الذهب والفضة، ولا على من سرق تمثالاً من الذهب أو الفضة أيضاً، ولا على من سرق الشطرنج، ولو كانت قطعة من الذهب، ولا على من سرق النرد، ولا الطاولة، ولو بلغ ثمنها نصاباً، ولا على من سق آلات الطرب واللهو، إذا كانت تستعمل للهو والرقص والمنكر، ولا على من سرق آلات القمار، ولعب الميسر، لأن الشرع قد أباح للمسلم أخذها للكسر، لأنه مطالب بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فصارت شبهة تمنع إقامة الحد عليه، والكن يجب عليه ضمان مافيه من المالية، وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة الي لا يجوز استعمالها، ويؤمر كسرها. وقال أبو يوسف: إن كان الصليب في معابد النصارى لا يجب عليع القطع بسرقته، لعدم الحرز، لأنه بيت مأذون في دخوله، وإن كان في يد رجل في حرز لا شبهة فيه، يقطع، لأنه قد سرق مالاً ملكاً للغير محرزاً على الكمال من غير وجود شبهة تدرأ الحد. المالكية، والحنابلة، والشافعية - قالوا: لا قطع على من سرق آلات الطرب مثل الطنبور والمزمار، والعود، والكما، وغيرها، ولا عقطع على من سرق الصليب والصنم، ولو كانا من ذهب أو فضة، وكذلك سرقة الشطرنج، وآلات لعب القمار والميسر، لأن الشرع الحكيم حث الناس على كسرها، وإتلافها محاربة للمنكر، ووسائله. ولأن التوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه، فصار شبهة في درء الحد، كإراقة الخمر.
الشافعية في الرأي الثاني قالوا: إن بلغ ما كسره نصاباً قطع، لأنه سرق نصاباً من حرزه، وكذلك إذا سرق ما لا يحل الانتفاع به من الكتب فإنه يقطه إذا كان الجلد والقرطاس يبلغ ثمنه نصاباً، وكذلك الزيت النجس، إن كانت قيمته على نجاسته نصاباً قطع فيه، وذكروا أن محل الخلاف إذا لم يعصد المسلم التغيير، أما إذا كان يقصد بعمله وإخراجه التغيير، ومحاربة المنكرات فلا قطع عليه قطعاً، لأن الشرع أباح له ذلك. ولا قطع إذا كانت هذه الأشياء ملكاً لمسلم لأنه منهي بالشرع عن إحرازها، فإن كانت ملكاً لذمي يجب القطع قطعاً إذا بلغ ثمنه نصاباً.
ولو كسر إناء الخمر، أو الطنبور ونحوه في الحرز، ثم أخرجه منه مكسراً وجب القطع إن بلغ نصاباً، لأنه قصد السرقة من غير شبهة في ذلك وهو مال مقوم محرز)
-

(5/161)


مبحث المخالفات المالية
-ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية، فإنه لا يمكن ضبط عقوبة مضطردة لها، لأن آثارها تختلف اختلافاً كبيراً (1) مثلاً شخص بذر ماله في المباحات، والزخارف حتى نفد ماله، فإن عمله هذا في نظر الشريعة الإسلامية لا يجوز، ولكن ضرره يختلف، فإذا كان في بيئة صالحة مستقيمة، بحيث لا يتأثر به أحد، كان الضرر مقصوراً عليه وحده، اما إذا كان في بيئة سريعة التقليد، فإن ضرر عمله يتعداه للغير، فيكون قدوة سيئة، ولذا يجب أن يترك تقدير تأديبه للحاكم. ولذا ولذا قال بعض الأئمة: إذا كان بذر ماله في مباح، فإن ذلك التبذير لا يوجب الحجر، عليه، ولكن الجمهور يقولون: إن التبذير لا يوجب الحجر، والحجر نوع من أنواع التعزير، فإن فيه اعلاناً بأن الرجل لا يحسن التصرف، ولا يوثق له في باب الأموال، وذلك توبيخ مستمر لا يرضاه عاقل. أما التبذير في الشهوات المحرمة، فإنه يوجب الحجر باتفاق.
__________
(1) (المختلس
الشافعية والمالكية، والحنابلة - قالوا: إن جاحد العارية يقطع، إذا بلغت قيمة ذلك نصاباًن وذلك لأن جعل العارية عنده، كجعلها في حرز، بجامع أنه استأمنه على حفظها، فكان جحده لها كفتح الحرز وأخذها، لاسيما ما ورد في الحديث، من أنها ضمونة، ولما روي (أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها) . الحنفية قالوا: من استعار شيئاً من غيره، ولما طلبه صاحبه أنكر المال ولم يرده وكانت قيمته نصاباً أو أكثر، وثبت ذلك عليه. فلا قطع عليه، وذلك لأن المعتبر هو المفرط في إعارة من لا يؤمن منه الجحد، فما استأمنه أولاً، كان من المعروف عدم قطعه ثانياً، إذا عرضت له الخيانة، ولأن الحرز قاصر هنا، لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه، لا حرز المالك على الخلوص، وذلك حرزه وإن كان حرز المالك، فإنه أحرزه بإيداعه عنده، لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله.
وقد أجاب الحنفية عن حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي احتج به الأئمة الثلاثة في وجوب القطع على الخائن والخائنة، بأن القطع الذي حدث كان عن سرقة، لا عن جحد عارية، أو خيانة، بعد أن كانت المرأة متصفة، مشهورة بجحد العارية، فعرفتها عائشة بوصفها المشهور، فالمعنى أن امرأة كان وصفها جحد العارية، فسرقت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها، بدليل أن في قصتها، أن أسامة بن زيد شفع فيها الحديث إلى أن قال: فقام عليه الصلاة السلام خطيباً فقال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذاسرق فيهم الضعيف قطعوه) وهذا بناء على أنها

(5/162)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
حادثة واحدة، لا مرأة واحدة، لأن الصل عدم التعدد، وللجمع بين الحديثين، خصوصاً وقد تلقت المة الحديث الآخر بالقبول، والعمل به، فو فرض انها لم تسرق كان حديث جابر مقدماً، ويحمل القطع بجحد المتاع، وأخرى بالسرقة، يحمل على نسخ القطع بالعارية بما قلنا، فقد روي في سنن أربعة من حديث جابر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ليس على خائن، ولا متهب، ولا مختلس، قطع) رواه الخمسة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن.
جاحد الوديعة.
الحنفية، والشافعية، والمالكية قالوا: إن جاحد الوديعة لا يقطع، ولو ثبت ذلك عليه، وكان المال المودع نصاباً فأكثر، وذلك لأن المودع هو المفرط في إيداع ماله، لمن لا يحفظهن ويرده إليه سالماً، واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجباً القطع على السارق والجاحد للوديعة، ليس بسارق. الحنابلة، وإسحاق، وزفر، والخوارج قالوا: يجب أن يقام حد السرقة على جاحد العارية، ويعقطع، لأنهم لم يشترطوا في القطع، ان يكون من حرز، ولأن جاحد الوديعة داخل في اسم السرقة، لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما، بخلاف المختلس، والمنتهب، كما قال أبن القيم رحمه الله تعالى. واستدلوا على مذهبهم بما روي عن أبن عمر قال: (كانت مخزومية، تستعير المتعاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الجحد للعارية وإن كان مروياً فيها عن طريق عائشة، وجابر، وأبن عمر، وغيرهم، لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة، وفي رواية من حديث أبن مسعود (أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخرجه أبن ماجة، والحاكم، وصححه، (ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حلياً) قالوا: والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة، فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرقة، فذكر الجحد للعارية لا يدل على أن القطع كان له فقط، ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بها، ويمكن أن يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرقة، فيكون دليلاً لمن قال: أنه يصدق اسم السرقة على جحد الوديعة.
قال الشوكاني: ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يعشر به قوله في حديث أبن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت، فالحق: قطع جاحد الوديعة، ويكون ذلك مخصصاً للأدلة الدالة على اعتبار الحرز، ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فو علم المعير، أن المستعير إذا جحد العرية لا شيء عليه، لجر ذلك إلى سد باب العارية، وهو خلاف المشروع. اهـ.

(5/163)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
المنتهب والخائن
الحنفية، والمالكية، واشافعية قالوا: لا يقطع المنتهب لأنه مجاهر بقعله والخائن لقصور في الحرز والمختلس لأنه ليس بسارق والعرب أطلقت عليه أسماً آخرغير اسم (السارق) والآية والأحاديث نصت على أن القطع على السارق فلا يقاس عليه غيره، والمراد بالخائن، وهو من يأخذ المال خفية، ويظهر النصح للمالك، والمتهب: هو من ينتهب المال على جهة القهر، والغلبة، وأما المختلس، فهو الذي سلب المال على طريقة الخلسة، وقال في النهاية: هو من يأخذ المال سلباً، ومكابرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المختلس، ولا على الخائن قطع) .
الحنابلة والإمام زفر قالوا: أنه يجب القطع على المختلس، والمنتهب، والخائن، لعدم اعبارهم الحرز، ولأنه نوع من السرقة، وأرى أن الاختلاسات في هذا العصر من الوزارات، والشركاتق قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات فيجب إقامة الحد على هؤلاء، فقد نشرت الجرائد أن أحد الموظفين اختلس 2 مليون جنيه في سنة واحدة. فيجب الضرب بشدة على أيدي هؤلاء حتى تحمي أموال الدولة.
إذا تغير الشيء المسروق
اتفق الأئمة، على أنه إذا سرق انسان عيناً عبثاً فقطع فيها ثم ردها إلى مالكها، بأن كانت قائمة، ثم تغيرت عن حالتها، مثل أن يكون المسروق الذي قطع به غزلاً ثم نسج، أو قطناً فاصبح غزلاً، ثم عاد فسرقه ثانية فإنه يقطع فيه، لأن العين قد تبدلت، ولهذا يملكه الغاصب، ويجب عليه ضمان قيمته، ولأن العين إذا تبدلت انتفت الشبهة الناشئة من اتحاد المحل، والقطع.
سرقة ما ليس بمال
واتفق الآئمة على أنه إذا سرق خمراً، أو خنزيراً، أو كلباً (ولو مقتنى للحراسة) ، أو جلد ميتة بلا دبغ، فلا يجب القطع، لأن هذه الأشياء ليست بمال، فإن بلغ إناء الخمر نصاباً قطع به، وكذلك إن شارك السارق غير مكلف كصبي، ومجنون، ومن سكر بحلال، فلا قطع لغير المكلف، وكيذلك إن شاركه والد صاحب المال فلا قطع لدخوله مع ذي شبهة قوية، ولا قطع على من سرق أضحية ذبحت وهي تساوي نصاباً لخروجها لله بالذبح، وكذلك الهدي في الحج، أما لو سرقت قبل الذبح فإنه يقطع سارقها، كما لو سرق قدر نصاب من لحمها، أو جلدها الذي ملكه الفقير بصدقة فيقطع، وإذا ملكه السارق بإرث، أو شراء، قبل إخراجه من الحرز، أو نقص عن مقدار نصاب بأكل وغيره لم يقطع بسرقته.
إذا ادعى السارق أنه ملكه
المالكية - قالوا: إن السارق إذا ادعى أن المسروق من الحرز ملكه بعد قيام بينة على أنه سرق

(5/164)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
نصاباً من حرز قطع بكل حال، ولا تقبل دعواه المك، لقوة التهمة وغلبنة الكذب على مثل السارق، وهروبه مما يوجب قطع يده أو رجله، وضعف إيمانه،
الحنفية، والشافعية، والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا: أنه لا يقطع، وسماه الإمام الشافعي السارق الفقيه، لأن قوله: هذا ملكي يحتمل الصدق، وهو شبهة يدرأ بها الحد، وإن لم يقم بينة.
الحنابلة في أحدى رواياتهم قالوا: إنه لا يقطع، وفي الرواية الأخرى: إنه يقبل قوله إذا لم يكن معروفاً بالسرقة، ويسقط عنه القطع، وإن كان معروفاً بالسرقة قطع، وهو الرجح لئلا يتخذ الناس ذلك دريعة لدفع الحد عنهم. واتفقوا: على أنه إذا ابتلع السارق في الحرز مالاً، لا يفسد بالابتلاع كالجواهر، قدر نصاب ثم خرج فإنه يقطع به. أما إذا ابتلع شيئاً يتلف بالابتلاع كاللحم، والعنب، ما يساوي نصاباً، فلا قطع عليه، بل يجب عليه الضمان فقط، وإذا أتلف شيئاً في الحرز بحرق أو كسر فإنه يضمنه، أما إذا أخرجه سالماً ثم تلف المال بعد الخروج من الحرز فإنه يقطع به، وإذا أشار إلى حيوان بعلف ونحوه، فخرج من الحرز إليه، ثم سرقه، فإنه يقطع به لأنه خرج من الحرز بعمله.
السرقة من الغنيمة وبيت المال
الحنفية قالوا: إن السارق من المغنم لا يقطع، لأن له قيه نصيباً، وهو مأثور عن الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، درأ، وتعليلاً، رواه عبد الرزاق في مصنفه، أخبر الثوري رحمه الله تعالى عن سمالك بن حرب عن أبي عبيدة بن الأبرص، وهو زيد بن دثار، أنه قال: اتي الإمام علي برجل سرق من الغنيمة مفراً، قبل قسمتها فلم يقطعه.
الشافعية قالوا: من سرق من مال بيت المال أو الغيمة ان فرز لطائفة القربى والمساكين والمجاهدين وكان هو واحداً منهم، أو اصله، أو فرعه فلا قطع عليه، لأنه سرق من مال له فيه حق ثابت وإن فرز لطائفة ليس هو منهم فيجب القطع، إذ لا شبهة له في ذلك. أما إذا لم يفرز لطائفة فلا قطع. والأصح إن كان له حق في المسروق كمال مصالح بالنسبة لمسلم فقير جزماً، أو غني على الأصح، وكصدقة وهو فقير، أو غارم لذات البينن أو غاز فلا يقطع لاستحقاقه في المالن وإن لم يكن له فيه حق قطع، لانتفاء الشبهة.
المالكية قالوا: إن سرق من بيت المال مقدار نصاب، فإنه يقطع لأنه يقطع لأنه مال محرز ولا حق له فيه، وكذا الغنيمة بعد حوزها إن كثر الجيش أو قل واخذ فوق حقه نصاباً، وقيل: يقطع مطلقاً إن سرق من الغنيمة. الحنابلة قالوا: لا يقطع السارق من بيت المال، لأنه مال العامة، وهو منهم.
سرقة الخيمة
الشافعية قالوا: الخيمة إن كانت مضروبة بين العمائر فهي كمتاع بين يديه في السوق، وإن

(5/165)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
كانت في الصحراء، وبم تشد أطنابها، وترخى أذيالها، فهي وما فيها كمتاع بصحراء، وإن شدت أطنابها، وأرخيت أذيالها، فهي حرز لما فيها، بشرط أن يوجد حافظ قوي، لو كان قائماً فيها، أو بقربها، فلو لم يكن فيها ولا بقربها احد، أو كان وهو ضعيف وبعيد عن الغوث، فليس حرزاً، فمن سرق منها متاعاً فلا يقطع. المالكية قالوا: الخيمة المنصوبة في سفر، أو حضر كا فيه أهله، أم لا فإنها حرز لما فيها، وحرز لنفسه أيضاً، فإذا أخذ شيئاً منها، أو أخذها هي، وكان المأخوذ يساوي نصاباً قطعت يد السارق.
الحنفية قالوا: الخيمة إذا كانت مضروبة وسرق منها شيئاً قطع، ولو سرقها لا يقطع لأنها ليست محرزة، بل ما فيها محرز بها.
سرقة الكعبة المشرفة
المالكية قالوا: من سرق شيئاً من داخل الكعبة المشرفة، فأن كان في وقت أذن له بالدخول فيه لم يقطع، لأنه لا حرز في حقه، وإلا قطع أن أخرجه لمحل الطواف، ومما فيه القطع ما عليها، وما علق بالمقام، ونحو الرصاص المسمر في الأطين. أفاده في حاشية الأصل. اهـ.
الشافعية قالوا: يقطع من سرق ستر الكعبة إن خيط عليها لآنه حينئذ محرز.
الحنابلة قالوا: إن من سرق شيئاً من أتار الكعبة، أو من داخلها وكان يساوي ثمنه نصاباً فإنه يجب عليه القطع، لأنه انتهك حرمة بيت الله تعالى فدل ذلك على ضعف إيمانه وعدم معرفته بعظمة حرمة الكعبة المشرفة، ونستبها إلى الله تعالى، فيجب أن يشدد عليه ويقطع بسرقته.
الحنفية قالوا: من سرق من أستار الكعبة ما يبلغ ثمنه مثدار نصاب فلا يجب عليه القطع، لأنه لا مالك له، ولأنه ريما قصد بها التبرك. وقيل: إن القطع في سرقة ستارة الكعبية على الخواص الذين قوي إيمانهم، وعرفوا عظمة حرمة بيت الله الحرام، ونسبة الكعبة إلى رب العزة تبارك وتعالى، لما ورد في الحديث من تغليظ العقوبة على السارق في الحرم، أما رعاع الناس وعوامهم الذين غلظ حجابهم وجهلوا كونهم في حضرة الله تعالى، وغابوا عن تتضيمها، فإنهم يعزرون، ولا يقطعون بسرقة بعض أستارها.
سرقة المسجد
الحنفية قالوا: لا يجب القطع في سرقة أبواب المسجد لعدم الحرز، لأنه باد للغادي والرائح ولا حافظ عنده. ولا قطع أيضاً بسرقة متاع المسجد كحصره، وقناديله، وشبابيكه، وبلاطه، وأستاره، لعدم وجود الحرز وإذا انتفى الحد.

(5/166)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
المالكية قالوا: المسجد حرز لبابه، وما فيه من البسط، والحصر، والقناديل حيث كانت تترك فيه فيقطع من سرقها إذا بلغ ثمنها نصاباً، ولا يشترط في قطع من سرق من المسجد أن يخرجه منه، بل ولو بإزالتها عن محلها إزالة بينة، وشمل بلاطه وسقفه. أما إذا كانت البسط تفرض نهاراً فقط، فتركت ليلة فسرق منها فلا قطع على سارقها.
الشافعية - قالوا: يقطع المسلم بسرقة باب المسجد، وجذعه، وتأزيره، وسواره، وسقوفه، وقناديله التي وضعت للزينة، لأن الباب للتحصين، والجذع ونحوه للعمارة ولعدم الشبهة في القناديل. ولا يقطع بسرقة حصره المعدة للاستعمال، وسائر ما يفرض فيه، ولا بسرقة قناديل تسرج فيه لن ذلك لمنفعة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال، وبلاط المسحد كحصره لا قطع فيها، أما حصر الزنة، والسجاجيد الغلية فيقطع بسرقتها، وكذلك ستر المنبر إن خيط عليه أما الذمي إذا سرق من المسجد فيقطع بكل ما ذكر لعدم وجود الشبهة.
من شق الجيب أو الكم
الحنفية قالوا: من شق صرة للنقود، أو الهميان أو الجيب، والمراد الموضع المشدود فيه دراهم من الكم وأخذ الدراهم لم يقطع، وإن أدخل يده في الكم قطه لأنه في الحالة الأولى الرباط من خارج فبالشق يتحقق الخذ من خرج فلا يوجد هتك الحرز وهو الكم. ولو حل الرباط ثم اخذ المال فإذا كان الرباط من خارج يقطع، وإن كان من داخل الكم لا يقطع لآنه اخذها من خارج الكم.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف - قالوا: يقطع على كل حال، لأن في صورة أخذه من خارج الكم، إن لم يكن محرزاً بالكم، فهو محرز بصاحبه، وإذا كان محرزاً بصاحبه، وهو نائم إلى جنبه، فلأن يكون محرزاً به وهو يظان، والمال يلاصق بدنه أولى فيقطع. وقد رد الحنفية عليهم: بأن الحرز هنا ليس إلا الكم لن صاحب المال يعتمد الكم أو الجيب لا قيام نفسه، فصار الكم كالصندوق، وهذا لن المشقوق كمه، أو جيبه أما في حال المشي أو في غيره، فمقصوده في الأول ليس إلا قطع المسافة لا حفظ المال.
وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة عن حفظ المال، وهو شغل قلبه بمراقبته، فإنه متعب للنفس فيربطه ليريح نفسه، فإنما اعتمد الربط، والمقصود هو المعتبر في هذا الباب، ألا ترى أن من شق جوالقاً على جمل يسير، فأخذ ما فيه قطه، لن صاحب المال اعتمد الجوالق، فكان السارق منه هاتكاً للحرز فيقطه، ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع، لأن الجوالق في مثل هذا حرز، لأنه يقصد بوضع المتعة فيه صيانتها من السرقة، كالكم والجيب، فوجد الأخذ من الحرز فيقطع. وكذلك من ثقب وعاء حنطةن أو وعاء زيت، فانصب مقدار نصاب قطع به، لأنه سرق منها، وان شق الحمل وأخذ منع قطع، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثرت فيث سرقة الجيوب والنقود. اهـ.

(5/167)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ويلغز العلماء بذلك فيقال: (شخص قطع بسرقة ولم يدخل حرزاً، ولم يأخذ منه مالاً) وهو الذي شق الكم أو الجيب أو الوعاء واخذ منه المال.
سرقة القطار
الحنفية قالوا: إن سرق من القطار وهو الإبل التي تقطر في السفر على نسق واحد فإن سرق من هذا القطار بعيراً، أو حملاً لم يقطع، لأنه ليس بحرز مقصود، فتتمكن فيه شبهة العدم، وهذا لن السائق، والراكب، والقائج، إنما يقصدون قطع المسافة، ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتعها بسلاحه للحفظ. قالوا: يقطع من سرق منها، وإن شق الحمل وأخذ منه قطع.
والشافعية، والمالكية، والحنابلة، - قالوا: القطار من الإبل أو البغال، يشد زمام بعضها خلف بعض على نسق واحد فتصير مقطورة يقودها قائد، ويشترط في إحرازها التفات قائدها، أو راكب أولها إليها كل ساعة، بحيث يراها جميعاً، لآنها تعد محرزة بذلك، وغن كان يسوقها سائق فمحرزة إن انتهى نظره اليها، وفي معناه الراكب لآخرها. فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل، أو بناء فذلك البعض غير محرزن فإن ركب غير الأول والآخر فهو لما بين يديه كسائق، ولما في خلف كقائد، وقد يستغني بنظرة المارة عن نظره إن كان يسير في طريق عام أو سوق، ويشترط بلوغ الصوت لآخرها، كما يشترط أن لا يزيد قطار على تسعة، إذا كان القطار كذلك قطع سارقها، أما إذا كانت الإبل غير مقظورة كأن كانت تساق مفرقة فهي ليست محرزة في الأصح اهـ.
السرقة من الأقارب
الحنفية قالوا: من سرق من ابويه، وإن عليا، لا يقطع، لأنها في العادة تكون معها البسوطة في المال، والإذن في الدخول في الحرز، حتى يعد كل منهما بمنزلة الآخر. ولقوة حنان الأبوين على البناء وعطفهما عليهم، ولذا منعت شهادته شرعاً. وأما سرقة الب من مال الابن فلقوله صولات الله وسلامه عليه للولج: (أنت ومالك لأبيك) . وأما ذوو الأرحام وهم الخ، والأخت، والعم، والعمة، والخال، والخالة، فللإذن في الدخول في الحرز، فقد ألحقوا بقرابة الأولاد، لأن الشرع ألحقهم بهم في إثبات الحرمة وافتراض الوصل. ففي الحديث القدسي: (قال الله عز وجل أنا الله، وأنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته) . ولهذا ألحقناهم بالأولاد في عدم القطع بالسرقة، ووجوب النفقة، ولأن الأذن بين هؤلاء إثبات الحرمة وافتراض الوصل. ففي النظر منها إلى مواضع الزينة الطاهرة والباطنة، كالعضد للدملوج، والصدر للقلادة، والساق للخلخال. وما ذاك إلا للزوم الحرج لو وجب سترها عنه، مع كثرة الدخول عليها، وهي مزاولة الأعمال وعدم احتشام أحدهما من الآخر، وايضاً فهذه الرحم المحرمة يفترض وصلها، ويحرم قطعها، وبالقطع يحصل القطعها؟؟، وبالقطع يحصل القطع، فوجب صونها بدرء القطع.

(5/168)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ومما يدل على نقصان الحرز فيها قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكمن أو بيوت آبائكم، أبو بيوت أمهاتكم أو بيوت غخوانكم، أو بيوت أخواتكم، أو بيوت أعمامكم، أو بيوت عماتكم، أو بيوت أخوالكم، أو بيوت خالاتكم، أو ما ملكتم مفاتحه أوصديقكم} ورفع الجناح عن الكل من بيوت الأعمام أو العمات مطلقاً يؤنس إطلاق الدخول، ولو سلم فإطلاق الأكل مطلقاً يمنع قطع القريب.
قالوا: ولو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره لا يقطع، ولو سرق مال ذي الرحم المحرم من بيت غيره يقطع اعتباراً للحرز وعدمه. ولو سرق من أبويه وإخوته من الرضاع، لن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوططة في الدخول من غير استئذان تحرزاً عن موقف التهمة، بخلاف القرابة من النسب فإنه يشتهر ويعرف.
المالكية قالوا: إذا سرق الأبوان أو الأجداد من أولادهما وأولاد اولادهما فلا قطع على واحد منهم. أما إذا سرق الفروع من الصول فإنه يقطع، لأنه لا حق للولد في مال والديه، ولذا يحد بالزنا بجاريتهما ويقتل بقتلهما، أما باقي القرابات من ذوي الرحام فيجب القطع على سرقة أواملهم من غير خلاف بينهم اهـ.
الشافعية قالوا: من شورط المسروق عدم شبهة فيه لحديث (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم) سواء في ذلك شبهة الملك كمن سرق مشتركاً بينه وبين غيره، أو شبهة الفاعل كمن أخذ مالاً على صورة السرقة بظن أنه ملكه، أو ملك أصله، أو فرعه، أو شبهة المحل كسرقة الابن مال أصوله، أو احد الصول مال فرعه، فلا قطع بسرقة مال أصل للسارق وإن علا، وسرقة فرع له ,إن سفل، لما بينهما من الاتحاد، وإن اختلفت دينهما، ولن مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر، ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المالن بخلاف سائر القارب، من ذوي الرحام وغيرهم، فإنه يقطع بالسرقة منهم، فقد ألحقهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بالقرابة البعيدة، فيقطع.
الحنابلة قالوا: لا يقطع الوالدون، وإن علوا فيما سرقوه من أموال أولادهم، ولا يقطع الولد إذا سرق من مال أبويه، ووجه الولد غلبة رحمة الوالد على ولده عادة، حتى أنه لم يحصل أن والداً سعى في قطع ولده الذي سرق من ماله ابداً والحدود في الغالب إنما تقام تخليصاً لحقوق العباد من بعضهم بعضاً، والثاني لأن الولد وما ملكت يداه ملك لوالديه، استيفاء لما لهما من الحقوق، إذ إن حقهما بعد حق الله تعالى: {واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} . أما الأقارب من ذوي الأرحام فيقطع من سرق من أموالهم، لأنهم ألحقوا بغيرهم من سائر الناس.
سرقة الزوجين من الآخر
الحنفية قالوا: إذا سرق احد الزوجين من الآخر فلا يقطع واحد منهما سواء سرق من بيت خاص لأحدهما، أو من بيت يسكنان فيه جميعاً، لن كلاً من الزوجين متحد مع صاحبه كأنه هو، ولتبادل المنافع بينهما، ووجود الإذن في الدخول، فاختل الحرز بينهما، ولأن بينهما بسوطة في الأموال

(5/169)


مبحث اعتراض الملاحدة
-وها هنا سؤال معروف، وهو أن قطع اليد فيه اتلاف لعضو من أعضاء الإنسان، وذلك لا يتناسب مع الجريمة، إذا كانت يسيرة، فإن اقل ما تقطع فيه اليد عشرة دراهم، فالعقوبة شديدة، وهذا الطلام منشؤه الغفلة عن معنى الجريمة، وعن الآثار الضارة المترتبة عليها،
__________
عادة ودلالة، فإنها لما بذلت نفسها، وهي أنفس من المال، كانت بالمال أسمح، ولن بينهما سبباً يوجب التوارث من غير حرمان كالوالدين، وقد ورد في موطأ عن عمر بن الخطاب أنه أتي بغلام سرق مرآة لامرأة سيده، فقال: ليس عليه شيء خادمكم سرق متاعكم، فإذا لم يقطع خادم الزوج، فالزوج أولى بهذه الرخصة، ولأن شهادة احدهما لا تقبل على الآخر لاتصال المنافع، فكذلك لا يقطع أحدهما بمال الآخر، ولو سرق احد الزوجين من الآخر ثم طلقها قبل الدخول بها فبانت من غير عدة فلا قطع على واحد منهما ولو سرق من أجنبية ثم تزوجها لا قطع عليه سواء كان التزوج بعد أن قضي بالقطع أو لم يقض.
وورد عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال: إذا كان التزوج بعد أن قضي عليه بالقطع يقطع ولو سرق من امرأته المبتوتة، أو المختلعة في العدة لا قطع، وكذلك إذا سرقت هي من الزوج في العدة. الشافعية في أرجح اقوالهم، والمالكية، والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا: أنه يقطع من سرق من الزوجين من الآخر، من حرز خاص للمسروق منه. زاد مالك: ولا يقطع من سرق من بيت يسكنان فيه جميعاً، للإذن في الدخول.
الشافعية في القول الآخر، والحنابلة في الرواية الخرى قالوا: إنه لا يقطع احدهما بسرقة مال الآخر، لن كلا من الزوجين مع صاحبه متحد معه، ولوجود المودة والرحمة التي بينهما بالزواج. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} .
الشافعية في قولهم الثالث قالوا: إنه يقطع الزوج خاصة، لأن المرأة لها حق النفقة عليه وحق الكسوة، فلا تقطع للشبهة في استحقاقها بعض ما سرقته، ولو بحكم الشيوع في ماله، بخلاف العكس، فإن الزوج لا حق له في مال الزوجة. والمرجح من مذهب الشافعية: أنه يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر، إن كان محرزاً عنه، والله تعالى اعلم.
مطالبة المسروق منه بالقطع
الحنفية، والحنابلة، وأصحاب الشافعي قالوا: إن القطع يتوفق على مطالبة من سرق منه ذلك المال، لأن الغلب في حد السرقة حق المخلوق، لأن الخصومة شرط لظهور السرقة، والخصم هو المسروق منه.

(5/170)


فإنك قد عرفت أن هذه الجريمة من أشد الجرائم خطورة، فإذا فشت السرقة بين الناس، فقد هددوا في أموالهم، وأعراضهم، وانفسهم كما ذكرنا، واصبحت حياتهم مريرة لا فائدة منها، فإن السارق كالحيوان المفترس، الذي يفتك بكل ما يلاقيه، فجريمته يجب أن تقابل بالقسون المتناهية كي ينقطع دابرها من بين الناس بتاتاً، فإذا تخيل شخص أن العقوبة شديدة فإنه يجب ان يعلم أن فظاعة الجريمة وآثارها في المجتمع، أشد وأنكى، ثم ان العقوبات لم توضع إلا لزجر فاسدي الأخلاق، وهؤلاء لا ينزجرون بالرفق واللين بدون نزاع، فإذا لم تتمثل أمامهم شدة العقوبة، فإنهم لا ينزجرون ابداً.
__________
المالكية، والحنابلة في إحدى رواياتهم قولا: إن القطع لا يفتقر إلى مطالبة المسروق منه، بل ينف بدونه، لأن الغالب في حد السرقة، حق الخالق، لا حق المخلوق، ولعموم الآية الكريمة، وكما في حد الزنا.
اشتراك جماعة في السرقة
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى، على أنه لو اشترك جماعة من اللصوص في سرقة شيء من المال ونال كل واحد منهم نصاب السرقة، فإنه يجب اقامة الحد على كل واحد منهم، فتقطع يده، لودو السرقة من كل واحد منهمن لأن الأخذ وجد من الكل معنى لدخوله الحرز، وفعلا لمعاونته للآخرين في أخذ المال المسروق، فإن السراقة يعتادون ذلك، فينسب الفعل إلى الكل شرعاً، أما إذا سرقوا جميعاً ما قيمته نصاب واحد، دون أن يكون حظ كل واحد منهم نصاباً فقد اختلفا فيه.
الحنفية، والشافعية قالوا: لا قطع عليهم بحال، لأن القطع يجب على كل واحد منهم بجنايته، فيعتبر كمالها في حقه، ولم يسرق واحد منهم ما قيمته نصاب القطع، فم تتم السرقة بشروطها، والقطع إنما علق بالنصاب لا بما دونه لمكان حرمة اليد، فلا تقطع ايد كثيرة فيما أوجب فيه الشرع قطع يد واحدة، مراعاة عظمة عضو الآدمي، وتحقير الدنيا ومتاعها، فلا قطع، والحديث (اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك) .
المالكية قالوا: إذا كان المال المسروق مما يحتاج إلى تعاون عليه قطعوا جميعاً. وإن كان مما يمكن للواحد الانفراد به، ففيه قولان، أحدهما يقام عليهم الحد جيمعاً، والثاني لا يقطعون، وإذا انفرد كل منهم بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم، إلا أن يكون قيمة ما أخرجه نصاباً، ولا يضم إلى ما أخرجه غيره، فإن الله يقول: {ولاتزر وازرة أخرى} ولا قطع فيما دون النصاب.
الحنابلة قالوا: يجب عليهم القطع جميعاً سواء أكان المسروق من الأشياء الثقيلة التي تحتاج إلى معاونة، اولاً؟ وسواء اجتمعوا على إخراجه من الحرز، أو انفرد كل واحد بإخراج شيء أذا صار المال المسروق بمجموعه نصاباً، تعظيماً لحرمة الأموال. وتشديداً في المحافظة على حقوق العباد. ولأن العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق، أي إن هذا القدر من المال المسروق، هو الذي يوجب

(5/171)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
القطع لحفظ المال، ومراعاة لحرمته، حتى نسد الباب أمام عصابات الإجرام التي تجتمع على نهب أموال الناس.
إذا دخل الحرز جماعة
الحنفية، والحنابلة قالوا: إذا دخل الحرز جماعة من اللصوص فتولى بعضهم الأخذ، ولم يخرج الباقون شيئاً، ولا أعانوا في الإخراج. وكان نصيب كل واحد منهم نصاباً قطعوا جميعاً، لأن الإخراج وإن قام به البعض ولكنه في المعنى حصل من الكل لتعاونهم جميعاً في السرقة، ولأن قدرة الآخذ إنما هي بهم جميعاً، فإن اللصوص يعتادون ذلك، فيتفرغ غير الحامل للدفع، فلو امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد، وإن لم يمتنع لم يضر، فوجب التشديد على من ساعد في النقب، وإن لم يخرج متاعاً، ولم يعن في الحمل، وإنما اشترط دخول الكل، لنهم إذا اشتركوا واتفقوا على فعل السرقة لكن دخل واحد منهم، البيت، أو بعضهم، واخرجوا المتاع، ولم يدخل غيرهم، فالقطع على من دخل البيت وأخرج المتاع، إن عرف من بينهم، وإن لم يعرف الداخل، فيجب علينهم التعزير، وحبسهم إلى أن تظهر توبتهم، ولا يجب القطع على من لم يدخل الدار لأنه لم يتأكد معاونتهم بهتك الحرز بالدخول، فم يعتبر اشتراكهم لما أن كمال هتك الحرز إنما يكون بالدخول.
قالوا: وذلك إذا كان الداخل الحامل للمتاع ممن يجب عليه القطع عند الانفراد، بأن كان عاقلاً بالغاً، وأما إذا كان الأخذ الحامل للمال صبياً، أو مجنوناًن أو من ذوي أرحام صاحب الدار، فلا يقطع واحد منهم لن غير الحامل في هذا الفعل تبع للآخذ الحامل، فإذا لم يجب القطع على من هو اصل لا يجب على من هو تبع.
الشافعية، المالكية قالوا: لو دخل جماعة الحرز واتفقوا على السرقة واخرج بعضهم المتاع فلا قطع إلا على من أخرج المتاع من الحرز إذا بلغ نصيب كل واحد مقدار نصاب، وهو ثلاثة دراهم فأكثر، فالداخل الذي لم يخرج المتاع ولم يحله لا قطع عليه لأنه لم يسرق فعلاً، ولم تتم شورط السرقة في حقه، وكذلك إذا لم يباغ نصيب كل واحد مقدار نصاب، فلا يقطع واحد منهم، لأنه لا قطع في سرقة أقل من النساب ولو اشترك لصان مكلفان في إخراج نصابين فأكثر من حرز، فقعاً، لان كلا منهما سرق نصاباً، أما إذا كان المخرج اق من نصابين فلا قطع عليهما.
إذا ثقب اللص البيت
الحنفية رحمهم الله تعالى قالوا: إذا ثقب اللص البيت فدخل، وأخذ المال فتناوله آخر خارج البيت عند الثقب، أو على الباب، فلا يجب القطع عليهما، لاعتراض يد معتبرة على المال المسروق قبل خوج الداخل فوجدا شبهة في السرقة. حيث ان السرقة لم تتم من واحد منهما. وقال أبو يوسف: إن اخرج الداخل يده من النقب إلى الخارج فالقطع على الداخل، وإن ادخل الخارج يده فتناولها فعليهما القطع.

(5/172)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا انفرد بفعله من غير تعاون فلا يقطع واحد منهما، وذلك إذا حصل أن خارجاً رأى ثقباً فأدخل يده فوقعت على شيء مما جمعه الداخل فأخذه، فلا يقطع واحد منهما.
وإذا نقب المنزل ثم ألقى بالمتاع في الطريق ثم خرج وأخذه فإنه يقطع. لأن هذه من حيل اللصوص، وإذا وضع الداخل المال عند النقب، ثم خرج وأخذه قيل: يقطع، والصحيح أنه لا يقطع.
ولو كان في الدار نهر جار فرمى المال في النهر ثم خرج فأخذه، فأن خرج بقوم الماء لا يقطع، لأنه لم يخرجه بفعله، وقيل: يقطع لأنه إخراج بسببه، لأن جري الماء به كان بسبب القائه فيه، فيضير، الإخراج مضافاً إليه، وهو زيادة حيلة منه، ليكون متكناً من دفع صاحب البيت، فلا يكون مسقطاً للقطع عنه، وإذا نقب الدار وألقى بالمال في الطريق، فأخذه غيره من الطريق، فلا قطع على واحد منهما، وإذا حمله على حمار من داخل فساقه فأخرجه، ثم أخذه فإنه يقطع، لأن سيره مضاف إليه يسوقه، وإذا علق المتاع في عنق كلب وزجره فخرج ثم أخذه منه فإنه يقطع، ولو خرج الكلب بلا زجره لا يقطع، لأن للدابة اختياراً، فما لم يفسد اختيارها بالحمل والسوق لا تنقطع نسبة الفعل إليها، ومن نقب البيت وأدخل يده فيه، وأخذ شيئاً من غير أن يدخل الدار، فلا يجب عليه القطع في هذه الحالة لن عنك الحرز يشترط فيه الكمال. تحرزاً عن شبهة عدم السرقة، وهي مسقطة، فإن الناقص يشبه العدم.
المالكية قالوا: ومن نقب الدار ثم دخلها، فتناول مقدار النصاب منه الخارج، بأن مد الخارج يده لداخل الحرز، وأخذه منه من غير أن يخرجه الداخل، فيجب القطع على الخراج فقط، لأنه هو الذي أخرجه من الحرز، والداخل لم يخرج المال فلا يجب عليه القطع.
ولو مد الداخل يده بالشيء إلى من هو خارج الحرز، وتناوله غيره من الخارج فالقطع على الداخل فقط. لأنه الذي اخرج المال من الحرز، والخارج لم يهتك بهتك الحرز، ولم يخرج المال فلا قطع عليه.
وإن التقيا، أي الداخل في الحرز، والخارج عنه بايديهما وسط النقب فأخرج الخارج الشيء بمناولة الداخل، أو ربطه الداخل بحبل ونحون فجذبه الخارج عن الحرز وجب القطع عليهما معاً. ومن جعل على ظهر غيره في الحرز شيئاً فخرج به، ولولا الجاعل ما قدر على حمله، يقطعان معاً، فإن كان الحامل يقدر على حمله دون الداخل، قطع الخارج بالمتاع وحده، لأنه هو الذي حمل المال.
الشافعية، والحنابلة قالوا: لو نقب شخص الدار، وأخرج غيره المال من النقب ولو في الحال، فلا قطع على واحد منهما، لأن الناقب لم يسرق ولآخذ اخذ من غير حرز، ويجب على الأول ضمان الجدار، وعلى الثاني ضمان المأخوذ، وهذا إذا لم يكن في الدار أحد، أما إذا كان فيها حافظ قريب

(5/173)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
من النقب وهو يلاحظ المتاع فالمال محرز به، فيجلب القطع على الآخذ، وإن كان الحافظ نائماً فلا قطع على الأصح، كمن نام والباب مفتوح، ويشترط أن يكون المخرج مميزاً، أما لو ثقب الدار ثم امر صبياً غير مميز، أو مجنوناً فإخراج المال، فأخرجه قطع الأمر، وإن أمر مميزاً أو قرد فلا، لنه ليس آلة له.
ولو تعاون اثنان في الثقب ثم انفرد أحدهم بالإخراج لنصاب فأكثر، أو وضعه احد الناقبين بقرب النقب فأخرجه لآخر مع مشاركته له في النقب، وساوى ما أخرجه نصابه فأكثر وجب القطع على المخرج في الصورتين، لأنه هو السارق.
ولو وضعه الداخل بوسط النقب فأخذه شريكه الخارج، أو ناوله لغيره من فم النقب وهو يساوي نصابين فأكثر لم يقطعا في الأظهر، لأن كلاً منهما لم يخرج من تمام الحرز وهو الجار، ويسمى السارق الظريف والرأي الثاني: يقطعان لاشتراكهما في النقب والإخراج ولئلا يصير ذلك طريقاً إلى إسقاط الحد، ولو ربط المال لشريكه الخارج فجره قطع الخارج دون الداخل، وعليهما الضمان.
وقطع العمى بسرقة ما دل عليه الزمن، وإن حمله العمى ودخل به الحرز ليدله على المال، وخرج به، لأن الأعمى هو السارق.
ويقطع الزمن بما أخرجه، والأعمى حامل للزمن، لأن الزمن هو السارق، ولا يقطع العمى في هذه الصورة لأنه ليس حاملاً للمال، وفتح الباب، وكس الفقل أو غيره وتسور الحائط كالنقب فيما مر، ولو رمى المال المحرز خارج الحرز، أو وضعه بماء جار، أو راكد، أو عرضه لريح هابة فأخرجته منه قطع في هذه الصور كلها، لأن الإخراج في الجميع منسوب إليه، وسواء ماه من النقب أم من فوق الجار، وساء أخذه بعد الرمي أم لا، تلف، كأن رماه في نار، أم لا. ولو نقب اللص في ليلة ولم يسرقن وعاد ليلة أخرى قبل إعادة الحرز فسرق قطع في الأصح، كما لم نقب أول الليل ثم سرق في آخره. وقيل: لا يقطع.
سرقة الحر الصغير
الشافعية قالوا: من سرق حراً، فإن كان صغيراً، فلا يجب عليه القطع، لأن الحر ليس بمال. فإن قيل: روي عن الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم (أتي برجل يسرق الصبيان، ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى، فأمر به فقطعت يده) فالجواب على ذلك أن الحديث ضعيف، وعلى تقدير صحته فمحمول على الأرقاء وحكمه: أنه سرق حراً صغيراً لا يميز، أو مجنوناً، أو اعجمياً، أو أعمى من موضع لا ينسب لتضييع لأنه محكم بقلادة، أو مال غيرهان يليق به عن حليته، وملابسه، وذلكنصاب، فلا يقطع سارقه في الأصح، لأن للحر يداً على ما معه، ولهذا لو وجد منفرداً، ومعه حلي حكم له به، فصار كمن سرق

(5/174)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
جملاً وصاحبه راكبه. والرأي الثاني: يقطع لآنه أخذه لجل ما معه، أما لو سرق من موضع ينسب لتضييع كخلاء أو صحراء، فلا يقطع بلا خلاف، أو كان مامعه فوق مايليق به، واخذه من حرز مثله قطع بلا خلاف. أو من حرز يصلح للصبي دونه لم يقطع بلا خلاف.
هذا إذا كانت القلادة للصبي، فو كانت لغيره، فإن أخذه من حرز مثلها قطع وإلا فلا جزماً ولو أخرج الصبي من الحرز، ثم نزع القلادة عنه لم يقطع، لأنه لم يأخذها من حرز، ولو سرق قلادة مثلاً معلقة على صغير، ولو حراً أو كلب، محرزين أو سرقها مع الكلب قطع.
المالكية قالوا: لا يجب القطع على من اخذا ما على صبي حر غير مميز من حلي وثياب، أو معهه فيجيبه مثلاً أو في عنقه، بلا حافظ مع الصبي وليس الصبي بدار أهله، لأن غير المميز ليس حرزاً لما عليه، ومثل الصبي الممجنون ولو كان كبيراً.
أما إذا سرق الصبي الحرغير المميز وهو الذي يمشي، ولا يتكلم فإنه يجب عليه القطع لأنه كالمال المحترم، وذلك لأن الصبي إذا كان غير مميز يكون هو المقصود بالخذ دون ما عليه، وربما لا يكون عليه شيء، وإلا لأخذ ما عليه من الحلي، أو الثياب، وتركه، فيجب إقامة الحد عليه عقوبة له، لأنه أغلى من المال، ولما رواه الدارقطني عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يسرق الصبيان، ثم يخرج بهم فيبعهم في أرض أخرى، فأمر به قطعت يده) .
الحنفية قالوا: لا يجب القطع على سارق الصبي الحر، وغن كان عليه حلي يباغ نصاباً والحلي هو ما يلبس من ذهب، أو فضة، أو جوهر، وذلك لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له، ولا قطع إلا بأخذ الما، فلا يقطع بسرقته، وغن كان إثمه وعقابه عند الله تعالى أشد من عقاب سارق المال، ففي الحديث القدسي عن رب العزة جل جلاله (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، وجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه عمله، ولم يوفه أجره) ، لكن القطع الذي هو العقوبة الدنيوية لم يثبت عليه شرعاً، لودود شبهة، وهة أن يتأول في أخذه الصبي اسكاته، أو حمله إلى مرضعته، والمراد بالصبي الصغير غير المميز، الذي لا يمشي ولا يتكلم فلو كان الصبي يمشي ويتكلم ويميز فلا يقطع اجماعاً، لأنه في نفسه، فكان أخذه خاعاً، ولا قطع في المكر والخداع، وروي عن أبي يوسف: أنه يجب القطع في سرقة الصبي الحر غير المميز والله أعلم.
الشافعية قالوا: لو نام عبد على بعير فقاده وأخرجه من القافلة قطع، وإن نام حر على بعير فأخرجه فلا قطع في الصح لأن البعير بيده.
إذا سرق الضيف
الحنفية قالوا: لا يجب القطع على الضيف إذا سرق اكثر من نصاب ممن اضافه فبيته لأن البيت لم يبق حرزاً في حقه، لكونه مأذوناً في دخوله، ولأنه بالاذن صار بمنزلة أهل الدار، فيكون فعله

(5/175)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
خيانة لا سرقة، وكذلك إذا سرق من بعض بيوت (حجرات) الدار التي أذن له في دخولها وهو مقفل، أو من صندوق مقفل، لن الدار مع جيمع بيوتها حرز واحد، ولهذا إذا أخرج اللص المتاع من بعض بيوت الدار إلى الدرا لا يقطع ما لم يخرجه من الدار، وإذا كان الدار حرزاً واحداً فبالاذن بادخول في الدرا اختل الحرز في البيوت، وهي شبهة تدرأ الحد عن الضعيف السارق.
الشافعية، والحنابلة قالوا: لو سرق الضيف من مكان مضيفه، أو الجار من حانوت جاره، أو المغتسل من الحمام، وإن دخل ليسرق، لا يجب عليه القطع لآنه أخذ مالاً غير محرز لأن البيت لم يعد حرزاً له حيث أن صاحب الدار أذن له في دخول الحرز، لأنهم اشترطوا لوجود القطع في المسروق أموراً لابد من تحقيقها، وهي:
(الأول) كونه يساوي ربع دينار.
(الثاني) كونه ملكاً لغيره.
(الثالث) عدم وجود شبهة فيه.
(الرابع) كونه محرزاً بوجود ملاحظة، أو بحصانة موضعه، فإن فقط شرط من هذه الشروط فلا يجب القطع. وقد فقد هنا شرط وهو كون المال محرزا.
المالكية قالوا: لا يجب القطع على الضيف الذي أذن له في دخول الدر، إذا سرق منه مالاً يزيد عن النصاب، لأنه دخل بإذن رب الدار فيكون خائناً لا سارقاً.
ولا قطع على من سرق من بيوت ذي الإذن العام لجميع الناس كبيت الحاكم، والعادل، والكريم، (المضيفة) الذي يدخله الناس بدون إذن من أصحابها، فإذا أخرج المسروق من الباب فلا قطع عليه لأنه خائن لمن استأمنه، إلا إذا سرق ما حجز فيه، كحاصل، أو خزانة داخل البيت العام، فإن أخرجه من الحجز إلى باب الدار قطع، وإن اخرجه للحرش فلا يقطع لوجود الإذن عادة، أو قيقة ثم الدخول فاختل الحرز، لم تتم السرقة.
السرقة من دكاكين التجار والمحلات العامة والشركات
الحنفية، والمالكية قالوا: لا يجب القطع على اللص الذي سرق من حوانيت (دكاكين) التجار، والحانات، لأن أصحابها قد أذنوا للناس في دخولها للشراء، فاختل الحرز، فيثبت فيها حكم عدم القطع على السارق نهاراً، فإن التاجر يفتح حانوته صباحاً في السوق، ويرحب بالناس في الدخول لمعاينة البضائع والشراء منها، ويفرح لكثرة المترددين على حانوته، لأن في ذلك ربحه، ورواج تجارته فإذا سرق واحد منهم شيئاً فلا يجب عليه القطع، لوجود الإذن عادة، أو حقيقة من الدخول فاختل الحرز، إلا إذا سرق منها ليلاً، لأنها بنيت لاحراز الأموال، وإنما اختل الحرز في أثناء النهار للإذن وهو منتف بالليل، فيجب القطع في السرقة منها ليلاً، إذا بلغ ما سرقه نصاباً، ولو لم يكن حافظ.
الشافعية والحنابلة قالوا: لا قطع على من أذن له في الدخول إلى دار، أو حانوت، أو خان

(5/176)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
للشراء لوجود شبهة عدم الحرز للاذن في الدخول إلى هذه الماكن عادة وعرفاً، فإنه قد أذن للناس، جميعاً دخول هذه الأماكن أثناء النهار لقضاء مصالحهم، وشراء حاجياتهم، من غير حرج ولا استئذان فأصبح المتاع الموجود منها غير محرز، وإن كانت في البناء، وموجود معها صاحبها، ولكن الإذن شبهة، والثياب الموضوعة على باب حانوت القصار للعرض، ولفت أنظار الزبائن، وأمتعة العطار الموضوعة على باب حانوته، والقدور التي يطبخ فيها في الحاونيت محرزة بسدد تنصب على باب الحانوت للمشقة في نقلها إلى بناء، واستحالة إغلاق باب عليها، كل ذلك إذا حدث نهاراً، وقت وجود الإذن في الدخول والحانوت المغلق بلا حارس حرز لمتاع البقال في زمن المن ليلاً، بخلاف الحانوت المفتوح ليلاً وليس فيه حارس، أو المغلق في زمن الخوف، وحانوت متاع البزار ليلاً، لأنه ليس مأذوناً بادخول فيه.
قالوا: وأبواب الدور، والبيوت التي فيها، والحوانيت بما عليها من مغاليق وحلق، ومسامير، محرزة بتركيبها ولو مفتوحة، أو لم يكن في الدور والحوانيت أحد، ومثلها سقوف الدور والحوانيت. شيء منه إلا بحل الرباط، أو بفتق بعض الغرائز حيث اعتيد ذلك، بخلاف ما إذا لم يعتد ذلك، فإنه يشترط أن يكون عليه باب مغلق، كا هو الحال في عصرنا الحالي وإذا ترك التاجر كوة أي نافذة في دكانه ليلاً، فأدخل اللص يده منها وأخذ شيئاً من المال مقدار نصاب فلا يجب عليه القطع لعدم هتك الحرز.
وقالوا: لو سرق اللص طعاماً زمن القحط، والغلاء الشديد، ولم يقدر عليه، لم يقطع رحمة بالناس. كما حصل في عام الرمادة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب.
السرقة من السفينة
المالكية قالوا: إن السرقة من السفينة تتكون من ست عشرة صورة تفصيلها كما يأتي. فيقطع في السرقة من الخن وما ألحق به في ثما،، وهي أخرجه منها أم لا، كان من الركاب أم لا، بحضرة رب المال أم لا، كان المال في الخن، أو م ألحق به، ويقطع في السرقة من غير الخن في خمس وهي إن كان بحضرة رب المال، أخرجه منها أم لا، أجنبياً أو من ركابها، والخامسة أجنبي أخرجه منها بغير حضرة ربه، وثلاث لا قطع فيها وهي ما إذا كان بغير حضرة صاحبه، وكان من ركابها، أخرجه أم لا، أو أجنبياً ولم يخرجه منها.
السرقة من الغريم
الحنفية، والمالكية رحمهم الله تعالى قالوا: إن السارق لا يجب عليه القطع إذا سرق نصاباً من

(5/177)


أمثلة على ردع المجرمين
-ولنا على ذلك أمثلة ملموسة عملية، مثلاً: الكوكايين، والحشيش قد وضعت لهما الحكومة. في أول الأمر عقوبة خفيفة، فكانت مغرية لضعاف النفوس والأشرار على ارتكاب
__________
مال له فيه شركة، بأن يسرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالاً مشتراكً بينهما، لأن للسارق فيه حقاً، وهو شبهة تدرأ الحد عن السارق، فلا يقطع. ومن له على رجل آخر دراهم، فسرق مثلها لم يقطع، لأن ما فعله استيفاء لحقه الثابت، والدين الحال والمؤجل في عدم القطع سواء استحساناً. لأن التأجيل لتأخير المطالبة، والقياس أن يقطع لأنه لا يباح له لاخذه قبل الأجل لأن ثبوت الحق، وإن تأخرت المطالبة يصير شبهة، ولا يقطع لو سرق أكثر من حقه لأن بالزيادة يصير شريكاً في ذلك المال بمقدار حقه، ولا فرق بين كون المديون المسروق منه مماطلاُ أو غير مماطل ولو اخذ من غير جنس حقه. فإن كان حقه دراهم، أو دنانير فأخذ عروضاً قطع لأنه ليس له أخذها. وإن كان دراهم فأخذ دراهم فأخذ دنانير، أو على العكس قيل: يقطع لأنها لا تصير قصاصاً بحقه، وإنما يقع بيعاً فلا يصح إلا بالتراضي فليس له أخذها، وقيل: لا يقطع للمجانسة بينهما من حيث الثمنية، ويقطع لو سرق حلياً من فضة ودينه دراهم.
ولو سرق من غريم أبيه، أو غريم ولده الكبير قطع لأن حق الأخذ لغيره، ولو سرق من غريم ابنه الصغير لا يقطع، لأن له حق الأخذ بالنيابة عن الصغير؟
الشافعية قالوا: إذا كان المديون المسروق منه مماطلاُ فلا يقطع به، وإن كان غير مماطل يقطع إذا سرق منه، أما إذا أخذه بقصد الاستيفاء لم يقطع، لأنه حينئذ مأذون له في أخذه، وغير جنس حقه كجنس حقه في ذلك.
إذا عاد فسرق المسروق
الحنفية قالوا: من سرق عيناً فردها، با، كانت قائمةن ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع، وذلك لن القطع أوجب سقوط عصمة بقيت شبهة أنها ساقطة، نظراً إلى اتحاد الملك والمحل، وقيام الموجب للسقوط، وهو وانتفى السقوط بعد تحققه كان مع شبهة عدمه، فيسقط بها الحد، بخلاف ما لو سرقه غيره.
ولأن تكرر الجنابة بعد القطع نادر، والنادر وجوده لا يشرع فيه عقوبة دنيوية زارجة فأنها حينئذ تعرى عن المقصود، وهو تقليل الجناية. إذ هي قليلة بالفعل فلم تقع في محل الحاجة.
المالكية، والحنابلة، والشافعية - قالوا: من سرق شيئاً فقطع فيه ثم عاد فسرقه وهو بحاله فإنه يقطع فيه مرة ثانية، لما رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بطريق الواقدي عن

(5/178)


الفعل، لا زاجرة لهم، فلم سنت قوانين صارمة، وأدرك هؤلاء الاشرار خطورتها، كفوا عن تعاطي هذه السموم، وهذه القوانين تقرها الشريعة الإسلامية، وتحبذها، لأن للحاكم أن يعزر بما يراه قاطعاً للجرائم، سواء كانت مقصورة على الشخص، أو تتقداه إلى المجتمع.
__________
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سرق السارق فاقطعوا يده، ثم إن عاد فاقطعوا رجله اليسرى) الحديث، ولأن السرقة الثانية مثل الآولى في سببية القطع، بل أفحش لأن العود بعد الزاجر اقبح، وصار كما لو باعه المالك للسارق ثم اشتراه منه، ثم كانت السرقة فإنه يقطع اتفاقاً من غير خلاف، ولأن المتاع بعد رده على المسروق منه في حق السارق كعين أخرى في حكم الضمان، حتى لو غصبها السارق أو أتلفها كان ضامناً، فكذلك في حكم القطع، وعموم القرآن يوجب عليه القطع، ولأنه مال معصوم كامل المقدار اخذ من حرز لا شبهة فيه. وبهذه الوصاف لزمه القطع في المرة الولى، بكذلك في المرة الثانية.
هل يجتمع الغرم مع القطع
الحنفية، والحنابلة قالوا: إذا ثبتت الجناية على السارق فلا يجتمع عليه وجوب الغرم مع القطع، وإن تلف المسروق هلاكاً أو استهلاكاً فلا يضمن، فإن غرم فلا قطع، وإن قطع فلا غرم، أما إذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت على صاحبها، لبقائها على ملكهن من غير خلاف وللمسروق منه الخيار، فإن فاختار الغرم لم يقطع السارق، وإن اختارم القطع فلا غرامة عليه، لما رواه النسائي من حديث المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد) ففي الحديث دليل على أن العين المسروقة إذا تلفت في د السارق لم يغرمها بعد أن وجب عليه القطع سواء أتلفها قبل القطع أو بعده، ولأن هذا القطع جزاء، والجزاء هو الكافي، فدل ذلك على أن هذا القطع كان في جناية السرقة، ولأن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للأصول، فصار القطع بدلاً من الغرم، ولذلك إذا تكرر من السارق، سرقة ما قطع به، لم يقطع فيه مرة ثانية، لشبهة اتحا المحل، والسبب.
ولأن وجوب الضمان ينافي القطع، لأن يتملكه بعد أداء الضمان مستنداً إلى وقت الأخذ فتبين أنه أخذ ملكه، ولا قطع في ملكه، لكن القطع ثاب قطعاً، فما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي والمؤدي إليه الضمان فينتفي الضمان.
المالكية قالوا: إن كان السارق موسراً وجب عليه القطع والغرم، وإن كان معسراً لم يجب عليه الضمان بل يقطع فقط. لأن له رائحة عذر لما ظهر عنده من الفاقة والحاجة، و {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}
الشافعية رحمهم الله تعالى قالوا: يجب القطع والغرم على السارق على أي حال موسراً أو معسراً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) ولقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم

(5/179)


رحمة الشريعة بالمفسدين
-وايضاً فقد رأينا في زمن من الأزمنة اضطراب حبل الأمن في البلاد المقدسة اضطراباً شديداً، فلما نفذ فيهم حكم الله تعالى وقطعت ايدي بعض السارقينن لم تلبث الجريمة أن اختفت، وحل محالها الأمن والطمأنينة.
على أن الذي يتأمل في المثالين المذكورين، يدرك أن شدة العقوبة، إنما هي في ظاهر المر، أما في الواقع فهي رحمة بالسارقين فاسدي الأخلاق، فإنهال قد زجرتهم فعلاً، وأوقفتهم عند حدهم، فتركوا هذه الجريمة المؤذية للمجتمع شر إيذاء.
__________
بالباطل} وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه) ولأنه اجتمع في السرقة حقان، حق الله تعالى، وحق للآدمي فاقتضى كل من حق موجبه، ولأنه اتفقت آراء العلماء على أنه إذا كان الشيء المسروق موجوداً بعينه رد إلى صاحبه، فيكون إذا لم يوجد في ضمانه، قياساً على سائر الأموال الواجبة. ولآنه أتلف مالاً مملوكاً عدواناً فيضمن مثل الغصب ولا منافاة هنا بين هذين الحقين لنهما بسببين مختلفين أحدهما حق الله، وهو النهي عن هذه الناية الخاصة، والآخر حق الفرد فيقطع حقاً لله، ويضمن حقاً للعبد، وصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، فيجب الجزاء حقاً لله تعالى، ويضمن حقاً للعبد، وكشرب خمر الذمي، فإنه يحد حقاً لله، ويغرم قيمتها حقاً للذمي، ولما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق فقال: (من أصاب بغية من ذي حاجة غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة) الحديث اهـ.
من وجد رجلاً داخل الدار
الحنفية رحمهم الله قالوا: لو وجد في داره أجينباً فقتله، ثم قال: إن هذا لص دخل على داري ليأخذ مالي، ولم أستطع رده إلا بقتله، ينظر في الرجل المقتول فإن كان معروفاً بالفساد واللصوصية فلا قود عليه، وكان على القاتل دفع الدية إلى اهله، وان لم يكن معروفاً بالفساد واللصوصية، فعلى القاتل القود، ولا يقبل دعولاه إلا ببينة.
المالكية، والشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا: أنه يجب على القاتل القصاص، إلا أن يأتي ببينة على صدق دعواه، ولا ينظر إلى حالة الرجل المقتول وسلوكه، وذلك حتى نقفل باب الفساد من هذا الطريق، فإنها ثغرة يلجأ إليها ضعاف الايمان لإزهاق النقوس، فربما يطلب الشخص رجلاً لعمل شيء في داره، أو لضيافته ثم يعتدي عليه ويغتالهن لودو ضغينة في نفسه، ويدعي عليه أنه دخل الدار للسرقة فقتله. وقتل المؤمن من أكبر الكبائر عند الله تعالى فيجب أن يسد كل باب يكون سبباً في إزهاق روحه.
إذا ملك المسروق قبل القطع
الحنفية قالوا: إذا قضى الحاكم على رجل بالقطع في سرقة، فوهبها له المالك، وسلمها إليه،

(5/180)


مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع
ولعل قائلاً يقول: إن النظر إلى الجريمة في هذا الوجه يقتضي أن يد السارق تقطه، ولو سرق درهماً واحداً، فما فائدة تخصيص القطع بعشرة دراهم؟
والجواب: ان الشارع أراد أن يجعل سبب القطع مالاً له قيمة في الجملة، وهو ما يتضرر به صاحبه، فالعشرة دراهم قد تكون قوت أسرة فقيرة يومين، فاذاسرقت منها تضررت، أما ما دون ذلك، فإنه لا يودب القطع لهوانه غالباً، فإذا أفلت من القطع في هذه الحالة، فإنه لا يفلت من التعزير بالسجي، أو الضرب حتى لا يتعود.
ومثل ذلك ما إذا أراد ان يسرق فثقب المدار، أو تسور الجار، ثم منعه من السرقة مانع، فإنه يستحق في هذه الحالة عقوبة العتزير الرادعة عن العودة.
__________
أو باعها آياه، أو آلت إليه بإرث أو غيره، فإنه يدرأ الحد عنه ولا يقطع. وذلك لأن استيفاء الحد بالفعل من القضاء في باب الحدود، فما قبل الاستيفاء كما قبل الفضاء، ولو ملك المال المسروق قبل القضاء فلا يقطع اتفاقاً، فكذا قبل الاستيفاء، ولن المقصود من القضاء باللفظ ليس إلا إظهار الحق للمستحق، والمستحق هنا هو الله عز وجل، والحق ظاهر عنده غير مفترقر إلى الإظهار فلا حاجة إلى القضاء لفظاً، ولا يقيده سقوط الواجب عنه، إلا بالاستيفاء، وإذا كان كذلك والخصومة شرط، يشترط قيامها عند الاستيفاء كما عند القضاي، وهي منتفية بالهبة، أو البيع.
والشافعية، والحنابلة، المالكية، - قالوا: يجب القطع في هذه الحالة، لأن السرقة قد تمت انعقاداً بلا شبهة، وظهوراً عند الحاكم، وقضي عليه بالقطع، ولا شبهة في السرقة إلا لو صح اعتبار عارض الملك المتأخر متقدماً ليثبت اعتباره وقت السرقة، ولا موجب لذلك فلا يصح، فلا شبهة فيقطع ومما ينفي صحة ذلك الاعتبار ما ورد في حديث صفوان، أنه قال: يا رسول الله لم أرد هذا، ردائي عليه صدقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فهل قبل أن تأتي به) رواه أبو داود وأبن ماجة، زاد النسائي في روايته: (فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بخلاف ما لو أقر له بالسرقة بعد القضاء، فإنه لا يقطع، لأن بالإقرار يظهر الملك السابق، فينتفي القطع.
إذا نقصت قيمة السرقة قبل القطع
الحنفية قالوا: في ظاهر المذهب إذا نقصت قيمة السرقة بعد القضاء، قبل الاستيفاء، عن العشرة لا يقطع لأن كمال النصاب لما كان شرطاً، يشترط كماله عند الإمضاء والقطع، لأنه من القضاء، وهو منتف في نقصان القيمة، بخلاف نقصان العين عند الاستيفاء، لأن ما استهله مضمون عليه، فكان الثابت عتد القطع نصاباً كاملاً بعضه دين، وبعضه عين، بخلاف نقصان السعر، فإنه

(5/181)


وكذا من أقدم على السرقة، ولم تتوفر فيه الشروط التي ذكرها الفقهاء، فإن اشارع يوجب تعزيره كي لا يعود. ولعل فيما ذكرناه ما يقنع هؤلاء الذين يتخيلون شدة هذه العقوبة فيدركوا انها هي عين الرحمة للسارقين، وللمجتمع كله.
__________
لا يضمنه، لأنه يكون لفتور الرغبات، وذا لا يكون مضموناً على احد، فلم تكن العين قائمة حقيقة ومعنى، فلم يقطع والحديث يقول: (اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك) .
الشافعية، والمالكية، والحنابلة، - قالوا: إذا نقصت قيمة العين المسروقة بعد القضاء عن قيمة النصاب فإنه يجب القطع، اعبتاراً بالنقصان في العين، فإنه إذا كانت ذات العين ناقصة وقت الاستيفاء والباقي منها لا يساوي عشرة دراهم يقطع بالاتفاق. فكذا إذا كانت قيمتها وقت الاستيفاء كانت قيمتها وقت الاستيفاء كذلك، يجب القطع أيضاً، والله أعلم.
-
طعن الملاحدة
لقد أثار الملاحدة شبهة على حد الشرقة، وطعنوا في أحكام القرآن الكريم، وقالوا: لونفذنا حد السرقة لشوهنا نسف المجتمع، وقضينا على عدد كبير من أبناء البشرية الذين تشل حركتهم، ولرأينا جيشاً جراراًمن العاطلين والمشوهين الذين قطعت أطرافهم بحد السرقة، والرد على هذه الشبهة يسير جداً، وهو أن تقول لهم: انظروا إلى المجتمع الذي كان في عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وعهد الخلفاء الراشدين، والأمن الذي كان ينتشر فيه، والسعادة التي كانت ترفرف عليه حين كانوا ينفذون أحكام الشرعة بدقة من غير إهمال.
وقارنوا بينه وبين المجتمع الذي نحن فيه مع وجود المال، وانتشار الحضارة والمدنية في كل مكان. ولكن الأمن غير مستتب، والناس غير آمنين على أموالهم وأنفسهم، والفاسد قط عم كل مكان، والسرقات من الأفراد والجماعات والحكومات سراً وعلانية، بل إن العصابات تسطو على الناس في الشوارع والطرقات في الليل، ورابعة النهار، وفي الممحلات والسيارات والمركبات وذلك كله لعدم تنفيذ حدود الإسلام، والتمسك بأحكام الشريعة الغراء.
فتنفيذ حد السرقة هو العلاج الوحيد لهذه الفوضى التي نعيش فيها في هذا الزمان. كما أنهم طعنوا في أحكام الشريعة وقالوا جهلاً منهم إن اليد إذا اعتدي عليها تقوم في الدية بخمسمائة دينار من الذهب الخالص. فكيف تقطع في ثلاثة دراهم وهو مال حقير، وقد ذكروا أن ابا العلاء المعري لما قدم بغداد اشتهر عنه أنه اورد إشكالاً على الفقهاء، في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعراً دل على جهله، وقلة عقله فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض حالنا إلا السكوت له * وأن نعوذ بمولانا من النار

(5/182)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء، فهرب منهم، وقد أجابه الناس في ذلك بأجوبة كثيرة، وكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله تعالى أن قال: (لما كانت أمينة كانت ثمينة، ولما خانت هانت) ومنهم من قال: هذا مت تمام الحكمة والمصلحة وأسرار السريعة العظيمة، فإن باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار، لئلا يجنى عليها، إكراماً لبني آدم، وتعظيماً لمكانته، ورفعة لحرمته، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال، فهذا هو عين كالحكمة عند ذوي العقول والألباب، ولهذا قال تعالى: {جزاء بما كسبا نكالاً من الله، والله عزيز حكيم} . أي مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك {نكالاً من الله} أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب هذا الجرم الشنيع الذي لا يلجأ إليه إلا النفوس الخبيثة التي رق دينها، ونسيت مراقبة الله لها، وباعت آخرتها بدنياها، فتعدت حدود الله من غير خوف ولا وجل، وتجرأت على أكل أموال الناس بالباطل. فكان من الحكمة، أن يقسو عليها الشرع في أحكامه حتى تردع عن غيها، وترجع عن إجرامها.
{والله عزيز} في انتقامه، لا يغالب، بل يقهر الجبارين المعتدين، {حكيم} في أمره' ونهيه وشرعه وقدره، وفيما يشرعه منأحكام لعباده، صيانة لمصالحهم، وحفظاً لأموالهم ,ارواحهم، وجلباً لسعادتهم في هذه الحياة وتطهيراً للمجتمع من المفسدين والعابثين، ولأن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين، ثم الحكمة الأولية حكمة فيها الاختصاص الذي هو الملك المك شرعاً، وبقيت الطماع متعلغة بها، والمال والحرز عن أكثرهم، فاذا أحرزها مالكها، فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان، فإذا هنكا فشت الجريمة، فعظمت العقوبة، وإذا عنك احد الصورتين وهو المك. وجب الضمان والأدب، حتى يرتدع المعتدون، الذين لا يخافون الله واليوم الآخر، فلعنة الله على السارق الخائن، الذي يبذل الغالية الثمينة، في الأشياء المهينة.
قالوا: وقد بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل ذكر السارقة، وبدأ بذكر الزانية في آية الزنى قبل ذكر الزاني. لأن حب المال في قلوب الرجال أغلب منه في قلوب النساء فقد ذكر الرجال في السرقة، ولأن شهوة الاستمتاع باللذة على النساء أغلب منها على الرجال، فقد ذكر النساء في آية الزنى. والله أعلم.
وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر، مع واقعة الفاحشة به، لثلاثة معان، أحدهما: أن للسارق مثل يده التي قطعت، فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، وقضى بها مآربه، ولكن ليس للزاني مثل ذكره، إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه، الثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر يراه الناس بالعيان فيعتببرون به، أما قطع الذكر في الزنى، فهو باطن، فلا يراه أحد للعبرة.
الثالث: أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل، وليس في قطع اليد إبطاله، ثم قال الله تعالى: {ألم

(5/183)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللًه على كل شيء قدير} فالآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره أي لا قرابة بين الله ولين أحد من خلقه توجب المحاباة، والحدود تقام على كل من يقارف موجب الحد، وله أن يحكم بما يريد، ويفعل ما يشاء، لنه مالك الملك، فيعذب من يشاء بعدله، ويغفر لمن يشاء بجوده وكرمه، وهو على كل شيء قدير، والله اعلم.
توبة السارق
اتفق الأئمة على أن السارق إذا تاب عن السرقة توبة صالحة، وظهرت أماراتها، وندم على ما سقط منه، وعزم على عدم العود إلى السرقة مرة ثانية، فإن الله تعالى يقبل توبته لقوله تعالى في الآية الثانية بعد آية السرقة: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فأن الله يتوب عليه أن الله غفور رحيم} فإن الله تعالى يتجاوز عنه، ويغفر له خطيئته.
وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التوبة تجب ما قبلها) وقال صلوات الله وسلامه عليه. (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وإذا أقيم عليه الحد في الدنيا فإنه يكون كفارة له، ولا يعذب بهذا الذنب يوم القيامة، إذا رضي بالحد وقبله وتاب إلى ربه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أعدل أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة) ولكن القطع لا يسقط عنه بالتوبة، وصيرورته عدلاً، ولو طال زمن التوبة والعدالة. بعد السرقة الثابتة عليه. ومحل عدم سقوط القطع عنه إذا بلغ الأمر إلى الإمام بدليل ما روى أبو داود عن صفوان بن أمية قال: كنت نائماً في المسجد على خميصة لم ثمنها ثلاثون درهماً، فجاء رجل فاختلسها مني) فأخذ الرجل فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع قال: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهماً؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال: (فهلا كان هذا قبل أن تأتي به) . فإذا لم يصل الأمر إلى الإمام، فيسقط القطع بالعفو والشفاعة، وهيئة الشيء للسارق وذلك إذا لم يكن الرجل معروفاً بالفساد، وإلا فلا تقبل الشفاعة فيه، حتى يرتدع، ويشترط في التوبة أن تكون بينة صادقة، وعزيمة صحيحة خالية من سائر الأغراض الدنيوية. حتى لا يسرق المجرمون أتكالاً على الشفاعة عند القبض عليهم.
كما قال تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح} قبلها الله فيما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بد من ردها اليهم كما قالل جمهور العلماء. وقد وقعت حوادث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتاب أصحابها توبة نصوحاً، روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق قد سرق شملة، فقال: ما أخاله. سرق، فقال السارق. بلى يا رسول الله قال: (اذهبوا به فاقطعوه، ثم أحسموه، ثم أئتوني به) فقطع فأتي به فقال (تب إلى الله) فقال: (تاب الله عليك) .
وقد روى أبن ماجة من حديث أبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن ثعلبة النصاري عن ابيه عن عمر بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إنتي سرقت جملاً لبني فلان فطهرني، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملاً لنا فأمر به

(5/184)

0 88: dm4588a03ktc88z05.html

إرسال تعليق

زراعة القمح ومختلف انواع المحاصيل بماء البحر بدون معالجه او تحليه

زراعة القمح   ومختلف  انواع المحاصيل بماء البحر بدون معالجه او تحليه
زراعة القمح ومختلف المحاصيل الرئيسيه بماء البحر بدون تحلية او معالجه

قضية وجود خالق للكون

قضية وجود خالق للكون
اثبت العلم حتمية وجود خالق للكون واستحالة خلق الكون بالصدفه وهذه شهادات لعدد من اكبر علماء العالم حول ذلك

الموضوعات الرائجه

احدث الموضوعات

هل تقود اسرائيل العالم ؟؟ فضح اكاذيب نتنياهو ؟؟


هل تقود اسرائيل العالم ؟؟ فضح اكاذيب نتنياهو وسقوط اسطوره اسرائيل 




 

فضيحه خالد الجندى وسعد الهلالى ويوسف زيدان حول اكاذيب عدم تحريم الاسلام لشرب الخمر والنبيذ

اثبات جهل ودجل الماركسى اسلام بحيرى