تصنيف الأحاديث النبوية وتدوينها
اجتهد العديد من العلماء بتصنيف الأحاديث النبوية الشريفة بناءً على عدّة شروطٍ اختلفت من عالمٍ إلى آخر، ولكنّهم جميعاً اعتمدوا أمرين رئيسيين وهما متن وسند الحديث، فكان البحث في السند يقوم على العلم بدراسة حال رجال الحديث، فيشترط في السند على سبيل المثال أن يكون متّصلاً بأن يكون فلانٌ قد روى عن آخر وهكذا حتى يصل السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيشترط أن يكون كلّ رواة الحديث ثقاةً عدولاً حتى يصحّ الحديث عنهم، وأن يكون متّصلاً بحيث إنّ كلّاً منهم يجب أن يكون قد سمعه ممّن فوقه. يشترط في المتن على سبيل المثال أن يكون غير مخالفٍ للقواعد الأساسية في الإسلام أو القرآن الكريم، وعلم الحديث علمٌ واسعٌ جدّاً وفيه العديد من الفروع المختلفة والمصطلحات التي لا يعلمها جيداً إلّا أهل الاختصاص، وبناءً على هذا العلم صنّفت الأحاديث إلى الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وغيرها، وقد كانت بناءً على هذا العلم أصحّ الكتب هي ما عُرفت لدى العلماء بالكتب الستة، وهي: صحيحا البخاري ومسلم، وسنن الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة رحمهم الله جميعاً. عدد الأحاديث النبوية إنّ عدد الأحاديث النبوية الشريفة لا يمكن تأكيده بالتحديد أو حصره مطلقاً، فلم يرد أيّ بحثٍ مؤكدٍ بهذا الخصوص، فمن الأحاديث الشريفة ما هو موضوعٌ ومكذوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها الصحيح والحسن وغيره ومنها المكرر ولكن بأسانيد مختلفة، ولهذا فإنّ عدد الأحاديث هذه جميعها قد يزيد عن المائة ألف حديث، وإن أردنا أن نحصي عدد الأحاديث الصحيحة فقط فلن نتمكن من فعل ذلك؛ إذ إنّ هذا الأمر سيختلف من عالمٍ لآخر، فقد ضعّف بعض العلماء أحاديثاً صحّحها غيرهم من العلماء. إذا رجعنا إلى كتب الحديث الستة سنجد أنّ عدد الأحاديث فيها من غير الضعيف منها ومن دون تكرار يصل إلى ما يقارب ستّة آلاف حديث، منها ما يُقارب الألفين وخمسمائة حديثٍ متفقٌ عليها، وانفرد البخاري بما يقارب ستمائة حديثٍ، ومسلمٌ بما يقارب الألف حديث، وزادت كتب السنن الأربعة الأخرى بالباقي، ولكن كما ذكرنا فإنّ هذا العدد قد يختلف من عالمٍ إلى آخر بناءً على ما يضعّفه ويصحّحه من الأحاديث، وأمّا حجم هذه الكتب الستة على وجه العموم فيصل إلى ما يزيد على ثلاثين ألف حديث.
الأحاديث المهمة التي يدور عليها الحلال والحرام فنستطيع القول أنها كلها تقريباً موجودة في الصحيحين. وقد قدرها البعض بخمسمئة حديث. فقد روى البيهقي في "مناقب الشافعي" (1\915 تحقيق أحمد صقر): سُئِل الإمام الشافعي «كم أصول السنة (أي أصول الأحكام)؟». فقال" «خمسمئة». فقيل له: «كم منها عند مالك؟». قال «كلها إلا خمسة و ثلاثين».
والمعروف أن غالب أحاديث الأحكام التي أخرجها مالك في الموطأ قد أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما. ولذلك قام ابن دقيق العيد بكتابة كتاب في أحاديث الأحكام معتمداً على صحيحي البخاري ومسلم فقط. وفي الصحيح ما يُغني عن الضعيف.
ونظرا لما للأحاديث النبوية الشريفة أهمية كبيرة في ديننا، فقد اعتنى بطرق الأحاديث ورواتها المحدثون، وذلك ليميزوا الصحيح منها من الضعيف، والمقبول من المردود، فتتبعوا جميع طرق الأحاديث، فمنها ما له طريق واحد ومنها ما له أكثر من طريق ،
وقد قسموا أخبار النبي عليه السلام باعتبار نقلها إلينا وقلة عدد رواتها أو كثرتهم إلى قسمين: أخبار متواترة وأخبار آحاد، والتواتر في اللغة هو التتابع وهو مجيء الواحد بعد الآخر، نقول تواتر المطر أي تتابع نزوله، قال تعالى : {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ}،[١] أما في الاصطلاح فالحديث المتواتر هو ما رواه عدد كثير يستحيل في العادة اتفاقهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، وكان مستندهم الحس، والحديث المتواتر يفيد العلم الضروري، الذي يضطر الإنسان إلى تصديقه تصديقًا جازمًا لا تردد فيه، ولذلك فإنه يجب العمل بالحديث المتواتر من غير بحث عن رجاله، ومن خلال هذا التعريف يتضح لك أن التواتر لا يتحقق إلا بشروط هي:[٢] أن يروي الحديث عدد كثير يستحيل عادة أن يتفقوا على الكذب، وقد اختلفت الأقوال في تقدير العدد الذي يحصل به التواتر، إلا أن الصحيح عدم تحديد عدد معين. أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات الإسناد. أن يعتمدوا في خبرهم على الحس، وهو ما يدرك بالحواس الخمسة من مشاهدة أو سماع أو لمس، مثل قولهم سمعنا أو رأينا ونحو ذلك. كم عدد الأحاديث المتواترة؟ إن الأحاديث المتواترة كثيرة وقد اختلف العلماء في عددها، ولمعرفة عدد الأحاديث المتواترة، عليك أولًا أن تفهم كيفية تصنيف العلماء للحديث المتواتر باللفظ والمتواتر بالمعنى، وعليه تستطيع إدراك كيف حدد العلماء عدد الأحاديث، والحديث المتواتر اللفظي هو الذي يروى بلفظه ومعناه، أي يتفق رواته على كل لفظ من ألفاظه عند روايته، بحيث لا يحصل منهم اختلاف بتغيير لفظ ولا تقديم بعض الألفاظ على بعض، وقد بلغ عدد الأحاديث المتواترة اللفظ عند بعض العلماء 110 أحاديث، وقد زاد بعض العلماء على هذا العدد، أما المتواتر المعنوي فهو ما روي من طرق متعددة بألفاظ مختلفة، إلا أنها اتفقت في إفادة شيء واحد، وذلك مثل الأخبار التي نقلت عن شجاعة علي فإنها نقلت وقائع مختلفة لكنها اتفقت في معنى واحد وهو الشجاعة، والأمثلة عليه كثيرة، وهنالك كم هائل من الأحاديث المتواترة معنويًا، وقد جعل بعض العلماء من أمارات التواتر تلقي الأمة الحديث بالرضا والقبول، وبهذا فإنه يدخل في المتواتر جميع الأحاديث التي رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وذلك لأن إجماع الأمة على قبولهما قائم حتى يومنا هذا.[٣] أقسام الحديث المتواتر يختلف التواتر من حديث لآخر وذلك لأن الأحاديث المتواترة تقسم إلى قسمين اثنين هما :[٤] المتواتر اللفظي : وهو ما تواتر لفظه ومعناه، ومن الأمثلة عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : [مَن كذب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوأ مقْعده من النار]،[٥] وقد روى هذا الحديث 72 صحابيًا منهم العشرة المبشرون بالجنة. المتواتر المعنوي : وهو ما تواتر معناه دون لفظه، ومن الأمثلة عليه، أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو مئة حديث في قضايا مختلفة أنه رفع يديه في الدعاء، وكل قصة منها لم تتواتر، والقدر المشترك بينها هو الرفع عند الدعاء، وتتواتر باعتبار مجموع الطرق، ومن الأمثلة أيضًا حديث حوض النبي عليه السلام، والمسح على الخفين، والعمامة، واللحية. بدعة الأخذ بالأحاديث المتواترة فقط قد تدخل في نقاش ديني حول العقيدة مع شخص، وتستدل في نقاشك بحديث نبوي شريف، فيقول لك إن هذا الحديث حديث آحاد وأنا لا أقبله، وهذه من البدع المحدثة التي لم تكن موجودة؛ فقد ظلت أحاديث النبي عليه السلام محل تسليم وقبول عند الصحابة وسلف الأمة، من غير أن يفرقوا بين حديث متواتر أو حديث آحاد، فكانوا يعملون بالحديث الصحيح سواء كان آحادًا أم متواترًا، وكان شرطهم الوحيد في قبول الحديث والعمل به هو صحة الحديث فقط، ولكن أدى ظهور البدع في الاعتقاد وتأثر بعض المسلمين بالفلسفة وعلم الكلام، إلى إعمال عقولهم وآرائهم وقدموها على كلام الله ورسوله، ولأن نصوص القرآن والسنة تبطل ما أحدثوه احتالوا في ردها فأولوا نصوص القران وصرفوها عن ظاهرها، ثم جاؤوا إلى السنة النبوية ومنعوا الاستدلال بها في العقيدة بدعوى أن معظمها أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن. ولقد جاءت الأدلة من القران والسنة في اتباع النبي عليه السلام شاملة للعقيدة والأحكام، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}،[٦] وكلمة أمرًا هنا عامة تشمل كل أمر سواء كان في العقيدة أو في الأحكام، كما قال تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}،[٧] وقد بعث الرسول عليه السلام أفرادًا من الصحابة إلى مختلف البلاد وأمرهم بتعليم الناس أحكام العقيدة والتوحيد وهذا من الأدلة الظاهرة على أن العقيدة تثبت بخبر الواحد وإلا لما اكتفى النبي بإرسال معاذ بن جبل وحده ليعلم الناس أمور الاعتقاد، والخلاصة فإن أدلة القرآن والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة تدل دلالة قاطعة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في كل أبواب الشريعة سواء كانت في الأمور الاعتقادية أو في الامور العملية، والتفريق بينهما بدعة منكرة.[٨] مَعْلومَة قسم العلماء أحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عدة أقسام، وذلك بناء على عدة أمور، وقد قسموا الأحاديث إلى متواتر وآحاد بناء على عدد رواة الحديث في كل طبقة من طبقات الإسناد، فالحديث المتواتر هو الحديث الذي رواه جمع عن جمع، وقد اختلف المحدثون في عددهم فمنهم من قال أربعة رواة ومنهم من قال أكثر وقد ذهب بعض المحققين إلى عدم تحديد العدد، لاختلاف أوثقية الرواة والأحوال التي رووا فيها الحديث، والخلاصة أن كل عدد يفيد نسبة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل قطعي فهو متواتر، أما حديث الآحاد فهو الحديث الذي تفرد بروايته راوٍ واحد أو أثنان أو ثلاثة أو أكثر ما لم يبلغ حد المتواتر، ويقسم حديث الآحاد بحسب عدد الرواة أيضا إلى ثلاثة أقسام، الحديث الغريب ويسمى أيضًا الفرد وهو الحديث الذي تفرد بروايته راوٍ واحد في أي طبقة من طبقات الإسناد، والحديث العزيز وهو الحديث الذي تفرد بروايته راويان اثنان في أي طبقة من طبقات الإسناد، والحديث المشهور وهو الحديث الذي تفرد بروايته ثلاثة رواة أو أكثر ما لم يبلغ حد المتواتر في أي طبقة من طبقات الإسناد، وللتوضيح فإذا قلنا أن هنالك حديث رواه جمع كبير من التابعين عن جمع كبير من كبار التابعين عن صحابي واحد عن رسول الله، فإن هذا الحديث حديث آحاد غريب.
المراجع ↑ سورة المؤمنون، آية: 44. ↑ "الحديث المتواتر .. شروطه وأنواعه"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-25. بتصرّف. ↑ "نفي وجود المتواتر في السنة"، bayanelislam، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-25. بتصرّف. ↑ "أقسام الحديث المتواتر"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-25. بتصرّف. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 1291، خلاصة حكم المحدث : [صحيح]. ↑ سورة الأحزاب، آية: 36. ↑ سورة الحشر، آية: 7. ↑ "بدعة التفريق في القبول بين المتواتر والآحاد"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-25. بتصرّف. ↑ "الميسر المختصر في بيان الحديث المتواتر والآحاد عند المحدثين"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-25. بتصرّف. شارك المقالة فيسبوك تويتر جوجل+
إ
0 88: dm4588a03ktc88z05.html
إرسال تعليق