ملخص المفاهيم الاساسيه للخلافه والدوله الاسلاميه وولاية المجتهد

 الاسلام ومفهوم الدوله الاسلاميه ونظام الحكم 

جاء الاسلام بنظام حكم شامل يتضمن المبادىء والضوابط  الاساسيه  والحاكمه لبناء الدوله والمجتمع وبرغم ذلك لم يحدد للدوله الاسلاميه نظام حكم بعينه فيجوز ان تكون خلافه كما كانت ايام الخلافه الراشده ويجوز ان تكون ملكيه او جمهوريه او اى نظام حكم اخر شريطه ان تتوافر فى ذلك النظام المبادىء والمعايير الاساسيه لنظام الحكم فى الدوله الاسلاميه كالشورى والاتفاق على القيم  الاسلاميه العليا للمجتمع واقامه العدل ونزاهة واستقلال القضاء وخضوع السلطه التنفيذيه  والحاكم لسلطه القضاء ولا ينعكس الامر,

وتوليه المناصب للاصلح والاكفأ ممن يستطيعون كفايه حوائج الناس  من المتخصصين الذين يعلمون باحوال الناس وما يصلحهم , فالامراء امناء على الناس لا ينزلون بهم الى الغائط فيعنتوهم ولا الى الماء فيغرقوهم ,  وضرورة وجود سلطه نيابيه منتخبه من اهل الحل والعقد , وتمكين الامر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى لاحاد الناس فى المجتمع , والرجوع فى القضايا الجامعه لاراء المجتمع بعد مشاورة المتخصصين وطرح اراءهم على الراى العام ليختار منها المجتمع ما يناسبه

وبتطبيق تلك المبادى والضوابط المستنده الى معايير الدوله الاسلاميه فى القران والسنه على الدوله الحديثه والنظم السياسيه الحاكمه عبر العالم نعلم ان نظام الحكم فى الاسلام هو نظام اتفاق قيمى اى اتفاق على القيم والاهداف العليا فى المجتمع وانه يعد ارقى انظمة الحكم فى عصرنا الحديث ويعد ارقى انظمة الحكم التى عرفتها الانسانيه 

الشورى والديمقراطيه 

 هذا وقد لا يعلم الكثيرين ان نظام الشورى يتفوق على مختلف الانظمه الديمقراطيه عبر العالم بل ان الديمقراطيه الحديثه مستمده من نظام الشورى الاسلامى التى تتفوق على نظام الديمقراطيه اليونانى والحديث فالشورى الاسلاميه تتفوق على النظام الديمقراطى  اليونانى بترشيدها للمعيار العددى باراء اهل الحل والعقد من العلماء والمتخصصين فضلا عن القاده والمسئولين  وطرح تلك الاراء للعامه للتتخذ فيها ما تراه سواء بشكل مباشر كما فى حالات البيعه والاستفتاء والانتخاب ونحوه , وكذلك يتميز نظام الشورى فى الاسلام  عن الديمقراطيه الحديثه بتمتعه ليس بالشرعيه فقط كما فى الديمقراطيه الحديثه وانما بالمشروعيه ايضا 

  الحق سبحانه وتعالى يقول" امرهم شورى بينهم "  والمصطفى ص يقول ما تشاور قوم الا هدوا لارشد امرهم , وقد جعل الله الشورى ملزمه قال تعالى : وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " فالشورى تسبق الزكاة والتى لا يستقيم الدين الا بها وتعد اصلا من اصوله , وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمامُ قومٍٍ وهم له كارهون" ولا تصح الامامه او ولايه الامر الا ببيعه ورضا العامه فبيعه الخاصه غير ملزمه لاحد , فلابد من بيعه صحيحه وقبول من عموم المسلمين , ويحق للمسلمين الرجوع فى البيعه فهى عقد والمسلمون عند شروطهم , فالشورى أصل هام في نظام الحكم،

الشرعيه والمشروعيه فى نظام الحكم 

والشرعيه هى الوصول للحكم ولاتخاذ القرارات طبقا لوسائل واليات مشروعه افترضها

 النظام وتوضيح  اليات  ووسائل تطبيقها وكيفية الوصول اليها  

اما المشروعيه التى تتميز بها الشورى الاسلاميه فهى تمتع نظام الشورى بضوابط واليات ومعايير للرقابه والمراجعه  والتصحيح الذاتى من داخل النظام عبر نظام الامر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى كفله نظام الشورى حتى لاحاد الرعيه فضلا عن الخضوع لدستور مسبق هو القران والسنه والقيم العليا التى ارتضاها واتفق عليها المجتمع 

وللامامه او تولى الحكم شروط اهمها اختيار الاصلح للامامه من عامه المسلمين فبدون الاختيار الصحيح لا امامه ولا حكم ولا تنعقد الامامه بغير البيعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". ”مَنْ وَلِيَ من أمرِ المسلمين شيئًا فأمَّر عليهم أحدًا مُحاباةً فعليه لعنةُ اللهِ، لا يَقْبَلُ اللهُ منه صَرْفًا ولا عدلاً حتى يُدْخِلُه اللهُ جهنَّم”( أحمد في مُسنَدِه والحاكم في المستدرك عن الخليفة أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي اللهُ عنه).
وعن عبد الله بن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسول الله صلَّى عليه وسلَّم: “مَنْ تولَّى من أمر المسلمين شيئًا فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلمُ أنَّ فيهم من أَوْلَى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسُنَّةِ رسولِه فقد خان اللهَ ورسولَه وجميع المؤمنين”( الطَّبرانيُّ). عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” ثلاثٌ لا يغلُ عليهنَّ قلبُ المؤمن: إخلاصُ العملِ لله، والنَّصيحةُ لولاة الأمر “(صححه الألباني).
وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” ثلاثةٌ لا يغلُ عليهنَّ قلبُ المؤمن: إخلاصُ العملِ لله، والنصيحةُ لولاةِ الأمر، ولزومُ جماعتهم، فإنَّ دعوتهم تحيطُ مِن ورائهم”[صحيح) 

الدستور والنظام الاسلامى ؟؟ وهل الدستور كفر ؟؟

يحلو لبعض من لا يعلمون وصم النظام الديمقراطى بالكفر لانه احتكام  لغير ما انزل الله واللجوء لحكم الناس وليس لحكم الله  ؟؟ وهذا لعمرى منكرا من الافك وزورا ؟؟

ولو سالنا من يقول بذلك عن كيفيه مقارنه النظام الديمقراطى بنظام الشورى فى الاسلام لم يستطع بل انه لا يعلم ان النظام الديمقراطى الحديث مأخوذ بالكامل عن نظام الشورى فى الاسلام  

وان  وجود الدستور  والذى هو ترتيب لاولويات المجتمع فى مرحله زمنيه محدده باتفاق  واجماع الاغلبيه فى ذلك المجتمع  لا يتعارض مع نظام الحكم الاسلامى وخصوصا ان كان الدستور مستمد من الشريعه الاسلاميه كما هو الحال فى الكثير من دول العالم الاسلامى 

كما ان نظام الحكم الاسلامى وتفويض الحكم لله لا يعنى ان من سيطبق الاحكام ويضع ضوابطها  تنفيذها احد غير الناس ولاسيما ان صياغه تلك الاحكام فى قوانيين تفصل اجراءات وضوابط تنفيذها وكيفيه تطبيقها لا يتعارض مع صحيح الشرع والدين بل هو المندوب والاصح لاختيار الاصلح والاوفق للمجتمع فى ضوء تعدد الاجتهادات والاراء الفقهيه وخصوصا  مع وجود ضمانه مسبقه الا تخالف تلك القوانين الشرع مع وجود دستور مسبق  يضمن ذلك  ورقابه دستوريه وقضائيه على تلك القوانيين ورقابه  قضائيه لاحقه على تنفيذ تلك القوانيين وما يرتبط بها من احكام

ولعل فى حديث بن عباس رضى الله عنه الى الخوارج الحروريه الذين خرجوا على الامام على رضى الله عنه ما يرد على تلك الشبهه ويدحضها من الاساس

عن عبد الله بن عباس، قال: (لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم. قال: إني أخافهم عليك قلت: كلا، فلبست، وترجلت، ودخلت عليهم في دار نصف النهار، وهم يأكلون فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، فما جاء بك؟ قلت لهم: أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين، والأنصار، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد، لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه قالوا: ثلاث قلت: ما هن؟ قال: أما إحداهن، فإنه حكم الرجال في أمر الله وقال الله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [الأنعام: 57] ما شأن الرجال والحكم؟

قلت: هذه واحدة. قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل، ولم يسب، ولم يغنم، إن كانوا كفارًا لقد حل سباهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سباهم ولا قتالهم، قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ وذكر كلمة معناها قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين. قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.

قلت: لهم أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم قلت: أما قولكم: حكم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 95] وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى، هذا أفضل وفي المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ خرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

الخلافه  والدوله الاسلاميه 

لا شك ان نظام الخلافه الراشده على منهاج النبوه هو ارقى نموذج تم تطبيقه لنظام الحكم فى الاسلام ولكن هذا لا يمنع من وجود نماذج اخرى كالملكيه الدستوريه والجمهوريه الدستوريه وغيرها  ان كانت مستمده من الشريعه الاسلاميه وطبقا لضوابطها 

وخصوصا فى اوقات انهيار دوله الخلافه وهذا حدث تاريخيا وتكرر اكثر من مره , ولا شك ان اقامة الخلافه  الاسلاميه الجامعه كان متعذر انذاك وكذلك توحيد المسلمين وخصوصا ان كان ذلك سيؤدى لفتن ومفاسد  واقتتال ترجح المنفعه المتوقعه 

وهو ما ادى الى اتفاق فقهاء المذاهب بما يشبه الاجماع على وجوب قيام ما تعارف عليه بولايه المجتهد للقيام بالوظائف الاساسيه لدوله الخلافه فى احد الدول او البلدان فى ظل تعذر اتفاق العالم الاسلامى على اختيار خليفه واحد يتفق بشأنه جموع العالم الاسلامى فى اقاصى الارض  وتتوفر فيه شروط الامامه العظمى للمسلمين وقد تكرر ذلك مرات عديده فى التاريخ الاسلامى ولولا ذلك لما قامت الدول الاسلاميه التى يحكمها مجتهد مقام دوله الخلافه التى يتعذر اقامتها وخصوصا فى اوقات النوازل والفتن كما حدث اثناء اجتياح التتار او الحروب الصليبيه ونحوها

وعلى ذلك فدوله المجتهد هى احدى الصور المستمده من نظام الحكم الاسلامى وخصوصا مع تعذر توفر شروط الامامه فى شخص بذاته واتفاق المسلمين عليه وتوليته شئون الامامه العظمى للدول الاسلاميه على اتساع رقعتها ولولا  اجتهاد ائمة وعلماء المسلمين بشأن وجوب ولاية المجتهد لانهار العالم الاسلامى ولم تكن لتوجد دوله اسلاميه واحده لا تضربها الفوضى والاضطراب

عدم تطبيق الحدود وتكفير الدول الاسلاميه 

يحلو للبعض القول بان عدم اقامة بعض الدول الاسلاميه للحدود انما هو من موجبات تكفيرها  وقتالها او الخروج عليها ؟؟ ويستدلون على ذلك بقوله تعالى 

 ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائده - ايه 44

 يقول الحق تبارك وتعالى (( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) )) المائده

وقد ورد فى تفسير ابن كثير عن هذه الايه انها 

 مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه ، فإن عندهم في نص التوراة : أن النفس بالنفس . وهم يخالفون ذلك عمدا وعنادا ، ويقيدون النضري من القرظي ، ولا يقيدون القرظي من النضري ، بل يعدلون إلى الدية ، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن ، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ; ولهذا قال هناك : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا ، وقال هاهنا : ( فأولئك هم الظالمون ) لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه ، فخالفوا وظلموا ، وتعدى بعضهم على بعض . ( المقصود بالقود القصاص )
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد - أخي يونس بن يزيد - عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) نصب النفس ورفع العين .
وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه ، من حديث عبد الله بن المبارك وقال الترمذي : حسن غريب .
وقال البخاري : تفرد ابن المبارك بهذا الحديث .
وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا ، إذا حكي مقررا ولم ينسخ ، كما هو المشهور عن الجمهور ، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الاسفراييني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب بهذه الآية ، حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة .
وقال الحسن البصري : هي عليهم وعلى الناس عامة . رواه ابن أبي حاتم .

فالايه نزلت فى اليهود الذين اتاهم الله التوراه هدى ونور ليحكموا بها بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء لكنهم بدلوا وحرفوا مصداقا لقوله تعالى  أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)  البقره ومصداقا لقوله تعالى فى سورة الجمعه  ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ( 5 ) )

يقول تعالى ذكره : مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى ، فحملوا العمل بها ( ثم لم يحملوها ) يقول : ثم لم يعملوا بما فيها ، وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به ( كمثل الحمار يحمل أسفارا )

فالايه  اذن نزلت فى اليهود الذين اتاهم الله التوراه هدى ونور ليحكموا بها بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فالحق يامرهم تبعا لذلك بالا يخشوا الناس وان يخشوا الله والا يشتروا بايات الله ثمنا قليلا  ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون

فالايه اذا نزلت فى تكفير  اليهود لتحريفهم التوراه  مصداقا لقوله تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) 79 البقره . ولعدم ايمانهم بما نزل فى التوراه من ضرورة الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتحريفهم احكام القصاص لصالح الاقوياء  فيقتصون من الضعفاء ويقبلون الديه من الاقوياء فالايات اذن نزلت فيمن حرفوا التوراه ومن حذا بحذوهم وفيمن   يبطلون القصاص فى الجنايات اذا كان القاتل او الجانى من قوم ذوى منعه فيقبلون منه الديه بينما يقتصون من الضعفاء وفى هذا تحريف للشرع والدين ومن المعلوم ان غالبية دول العالم الاسلامى تعمل بالقصاص فى الجنايات ولا تبطله ولهذا لا يصلح الزعم بتكفير  غالبية دول العالم الاسلامى كما يزعم البعض استنادا لتلك الايه 

فهم يزعمون ان تلك الدول تحتكم للقانون الوضعى دون شرع الله ويحتجون فى ذلك بقوله تعالى

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) )) النساء

وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت في رجل من المنافقين دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهَّان، ليحكم بينهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهُرهم. 

والسؤال هنا عمن اخبرهم ان  قوانيين غالبيه دول العالم الاسلامى لا تطبق شرع الله بل ومستمده من الشريعه الاسلاميه باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع  طبقا لاغلب الدساتير وان تلك القوانيين تختار ما تحسبه الانسب لاحوال الناس من اجتهادات الفقهاء وخاصة ان غالبيه المذاهب نشأت كمدارس قضائيه فنجد فى مصر كان القضاه يعينون من فقهاء المذاهب الاربعه وفى  بلاد اخرى كانوا يعينون المالكيه كتونس والمغرب والاندلس  وغيرها وفى دول اخرى كانوا يعينون الحنابله مع وجود قضاه من مختلف المذاهب , كما ان القوانيين تختص بتنظيم المعاملات والاولى العنايه بها وتنظيمها فى قوانيين تتناسب مع الواقع وما يطرأ من قضايا محدثه لم تتناولها اجتهادات الفقهاء السابقين ولاسيما ان تلك القوانيين تخضع لرقابه تشريعيه ودستوريه سابقه  ورقابه دستوريه وقضائيه لاحقه ان خالفت احكام الشرع الحنيف والذى هو المصدر الرئيسى للتشريع فى غالبية الدول الاسلاميه

ومن المعلوم ان غالبية دول العالم الاسلامى تعمل بالقصاص فى الجنايات ولم  تبطله ولم تحرف الشرع الحنيف  او تستبدله  بل ان اغلب الدساتير تنص على ان الشريعه الاسلاميه هى المصدر الرئيسى للتشريع  وان القوانيين فى اغلبها مستمده من الشريعه او تمثل اجتهادات فيما طرأ  من قضايا واحوال لم تكن موجوده ايام الرسول ص  , وان  وجد ما يخالف ذلك فيمكن الطعن فيه وتغييره  استنادا للدساتير ولهذا لا يصلح الزعم بتكفير  غالبية دول العالم الاسلامى كما يزعم البعض استنادا لتلك الايه 

كما يؤكد ذلك حديثه صلى الله عليه وسلم

4801-‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قَتَادَةُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْحَسَنِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ ‏ ‏عَرَفَ ‏ ‏بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لَا مَا صَلَّوْا -‏اخرجه مسلم 

- وفي رواية: بنَحْوِ ذلكَ، غيرَ أنَّه قالَ: فمَن أنْكَرَ فقَدْ بَرِئَ، ومَن كَرِهَ فقَدْ سَلِمَ. وفي رواية: فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إلَّا قَوْلَهُ: ولَكِنْ مَن رَضِيَ وتابَعَ لَمْ يَذْكُرْهُ.

الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1854 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّه سيَكونُ عليكم أئمَّةٌ تَعرِفون وتُنكِرون"، أي: سيَلِي أمْرَكم أُمَراءُ مِن صِفاتِهم أنَّهم يَعمَلون فيكم بأعمالٍ، بعضُها حسَنٌ، وتَعرِفونه بصِفاتِه وعَلاماتِه، وبعضُها قبيحٌ تُنكِرونها عليهم، "فمَن أنكَر"، أي: قَوِي على الإنكارِ عليهم بيَدِه ولسانِه، "فقد بَرِئ"، أي: مِن النِّفاقِ أو مِن الإثمِ، "ومَن كَرِه"، أي: لم يَرْضَ فِعلَهم وأنكَر عليهم بقلبِه؛ لِعَدمِ قُدرتِه على الإنكارِ باليدِ أو اللِّسانِ، "فقد سَلِم"، أي: مِن مُشارَكتِهم أوزارَهم، "ولكنْ مَن رَضِي وتابَعَ"، أي: ولكن لم يَبْرَأْ مِنهم ولم يَسلَمْ مِن مُشاركتِهم في الوِزْرِ: الَّذي رَضِي بفِعْلِهم وتابَعَهم في أعمالِهم، فقيل: "يا رسولَ اللهِ أفلا نُقاتِلُهم؟"، أي: نَخرُجُ عليهم فنُقاتِلُ هؤلاء الأُمراءَ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا"، أي: نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن الخروجِ عليهم وقِتالِهم، "ما صَلَّوْا"، أي: لا يَحِقُّ قِتالُهم إذا ظَلُّوا يُصلُّون فإن ترَكوا الصَّلاةَ أو منَعوها قُوتلوا.

وقد لا يعلم اكثرمن يقولون بوجوب التكفير والقتال استنادا للايات السابقه بعلوم الشرع وما يقتضيه من العلم باحوال الناس وما يصلحهم والتى هى من اهم شروط الاجتهاد بل لم نعلم فيهم مجتهدا يحق له الاجتهاد حتى على مستوى الاختصاص ؟؟ ولو سالت احدهم عن الفارق بين الديمقراطية والشورى والمقارنه بينهما  لم يجب  لعدم علمه بذلك؟؟؟  كذلك ستجد اكثرهم لا يعلمون بضوابط تطبيق الحدود وامكانية درءها بالنوازل والشبهات  من ذلك قيام الفاروق عمر بتعطيل حد السرقه فى عام الرماده باعتبارها شبهة ونازله ولان حفظ النفس من اولويات مقاصد الشريعه استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات  بل ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد امر بدرء المسلمين لاقامه الحدود ما استطاعوا , وليس معنى ذلك بالطبع الدعوه لتعطيل الحدود بل الدعوى لعدم اقامتها على المتهم اذا توافرت له ادنى شبهه او شك فى ارتكابه لذلك الجرم , او حتى تاول يستوجب الشك والشبهه وخصوصا فى زمن خربت فيه الذمم وشاعت شهادة الزور , كما انه ليس من العدل ترك المجرم يفلت من العقاب اذا ثبت الجرم فى حقه ولم  تتوافر شروط اقامه الحد كعدم توافر اربع شهود عدول لاقامة الشهادة بصيغتها الشرعية المتفق عليها لاقامه الحد  فى جرائم الزنا مع ثبوت الخلوه وممارسة اعمال الفجور وغير ذلك فهنا يجب التعزير على القاضى , كما قد يكون الفقر المدقع شبهة لصالح المتهم فى عدم تطبيق حد السرقه

وكذا فقد اختلفت المذاهب فى تحديد نصاب القطع , كما اختلفوا فى العديد من القضايا مثل  القطع بسرقة الفواكه والأطعمة

إذا سرق شيئًا من الفواكه والطعام من الحرز، لا يقطع عندالاحناف (٢)، وعند الشافعي: يجب القطع 

كما  روي عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "لا قطع في ثمر ولا كثر"  وهذا نص. الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، أبو داود، في الحدود، باب ما لا قطع فيه (٤٣٨٨)، ٤/ ١٣٦؛ الترمذي في الحدود، باب ما جاء لا قطع 

الكثر، بفتحتين: جمار النخل، ويقال: الطلع، وسكون الثاء لغة

 ولاسيما انه قد يتعذر اقامة الحدود طبقا للمعايير والضوابط الشرعيه فى عصرنا الحديث مع ثبوت الجريمه فى حق المتهم وهنا اهتم القضاء بضرورة تعذير المتهم  لكيلا يعود الى انتهاك حدود الله تبارك وتعالى 

وعلى ذلك فلا يمكن  اتهام الدول الاسلاميه فى ضوء كل ما سبق  بالكفر لعدم  تطبيق الخلافه فولايه المجتهد احدى صور الدوله الاسلاميه وتعد امتداد للخلافه  فى عصرنا الحديث , وكذا الزعم ان القوانيين الوضعيه  انما هى الاحتكام لغير ما انزل الله  هو قول فاسد ان كان الدستور يجعل الشريعه الاسلاميه ومبادئها هى المصدر الرئيسى للتشريع  وان كل القوانيين التى تخالف الشريعه يمكن اسقاطها دستوريا وقضائيا , كما ان لا وجه لزعم البعض بان الدستور كفر  ولا سيما ان الدستور انما هو ترتيب لاولويات المجتمع فى تلك الحقبه الزمنيه ولا يسرى الا بموافقه وقبول غالبيه الناس , و القوانيين فى غالبيتها مستمده من اجتهادات فقهيه  وان كل قضايا القصاص لابد من عرضها على المفتى للادلاء برايه الشرعى فيها وضرورة مراعاة احوال الرعيه  وظروف المجتمع  عند المفاضله بين الاجتهادات التى يتم صياغتها فى قوانيين  لتنظيم احوال وشئون الدوله والمجتمع , وبالتالى  فلا مجال لإتهام  غالبية الدول الاسلاميه فى عصرنا الراهن  بالكفر او عدم تطبيق الشرع والدعوه للخروج عليها بدعوى عدم اقامه شرع الله فهذا من الوان المنكر  ولا يقول به الا المغيبين او المغرضين والضرورة تقدر بقدرها 

والله اعلى واعلم

موضوعات ذات صله :

https://www.altnmyh.com/2017/03/blog-post_82.html

الخلافه الإسلاميه بين صحيح الإسلام والتصورات القاصره

https://www.altnmyh.com/2019/04/blog-post_27.html

بين الاستبداد والديمقراطيه والشريعه الاسلاميه؟؟ ونظام الحكم فى الإسلام

https://www.altnmyh.com/2021/04/blog-post_21.html

كتاب حد السرقه - على المذاهب الاربعه
https://www.altnmyh.com/2017/04/blog-post_44.html

سيد القمنى بين تشويه الإسلام والطعن فى الصحابه والخلفاء (1 -2 )

https://www.altnmyh.com/2017/04/blog-post_61.html

سيد القمنى بين تشويه الإسلام وسب الصحابه والخلفاء الراشدين (2 -2 )

https://www.altnmyh.com/2022/04/blog-post_19.html

وقائع فتح مصر فى المراجع المسيحيه
https://www.altnmyh.com/2022/06/blog-post_4.html

 اسباب قتال المسلمين للفرس والروم وبدء الفتوح الاسلاميه

تحت تصنيف: ملخص المفاهيم الاساسيه للخلافه والدوله الاسلاميه وولاية المجتهد